بسم الله الرحمن الرحيم.
{وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}سورة البقرة 282.
كيف نصنع القضاء والقدر بمشيئة الله تعالى؟
{وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}سورة البقرة 282.
كيف نصنع القضاء والقدر بمشيئة الله تعالى؟
قال تعالى: { يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} الرعد39، وقال تعالى: { يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} الرحمن 29، وقال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} فاطر 11.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثمّ أحفظ الله يحفظك أحفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، واعلم أن الخلائق لو اجتمعوا على أن يُعطوك شيئا لم يُرد الله أن يعطيك لم يقدروا عليه، ولو اجتمعوا أن يصرفوا عنك شيئا أراد الله أن يُصيبك به لم يقدروا على ذلك، فإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا، واعلم أن القلم قد جرى بما هو كائن ...الخ،
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب قال رب وماذا اكتب قال اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثم إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه ولا يرد القدر إلا بالدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر.
وعن الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ثلاث هن رواجع على أهلها البغي والمكر والنكث، أما البغي فقوله تعالى: ( يأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُمْ ) والمكر (وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ) والنكث ( فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ)).
اللهم إني أشهدك إن ما أصبت ببحثي هذا فهو منك وحدك لا شريك لك، وما أخطاءت فمن نفسي ولولا طمعي بواسع رحمتك ما كتبت في هذا الأمر حرفاً واحداً.
حقيقة الإيمان بالله - تعالى - هي الشهادة بأن كل شيءٍ هو من أمر الله –تعالى- وبيده وحده لا شريك له، ثم العمل بمقتضى هذه الشهادة، فنحن لا نملك التحكم ولا حتى في جوارحنا فضلاً عن التحكم في غيرنا من الناس أو مُجريات الأحداث قال تعالى: ( نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ ) الإنسان 28، وهذا ما وصفه الرسول صلوات الله عليه بقوله: ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك.
كل الأحداث التي تجري من حولنا هي قضاء الله تعالى وقدره، وعلينا التسليم والاستسلام لها، والإيمان أنها مشيئة الله – تعالى- وكل الأحداث تحمل كل صفات الله –تعالى- من حكمته ورحمته وعلمه وخبرته وقهره وانتقامه وجبروته إلى أخر صفات الله تعالى.
فالصاروخ الذي انطلق من الطائرة لقصف موقع مُعين هو مُحدد المسار والزمان إلى الموقع المُحدد بأمر الله وحده لا شريك له، ولا يستطيع، لا الذي أطلق الصاروخ ولا الذي أُطلق عليه أن يُغير من الأمر شيء، هذا هو قضاء الله وقدره.
والله حكيم لا يقع في مُلكه إلا ما أرادت حكمته وإذا أرادت حكمته شيء وقع، وهو رحيم لا يقع في ملكه إلا ما أرادت رحمته وإذا أرادت رحمته شيء وقع، وهو عدل لا يقع في ملكه إلا ما أراد عدله وإذا أراد عدله شيء وقع، وهو خبير لا يقع في ملكه إلا ما أرادت خبرته وإذا أرادت خبرته شيء وقع، وهو بديع لا يقع في ملكه إلا ما أراد إبداعه، وإذا أراد إبداعه شيء وقع، وهو مُنتقم لا يقع في ملكه إلا ما أراد انتقامه وإذا أراد انتقامه شيء وقع، وهو ضار لا يقع في ملكه إلا ما أراد ضره وإذا أراد ضره شيء وقع، سبحانه وحده لا شريك له.
ويجري على كل حدث مهما صغُر أو كبُر كل صفات الله – تعالى- مجتمعة، لذلك لا راد لحكمه ولا مُعقب لقضائه، قهر الخلق بعظمته، له السلطان وحده لا شريك له على كل ذرات الكون، يعلم ما كان وما سيكون، وما لم يكن لو كان، ولا يكون إلا ما أراد.
والسؤال الذي يتبادر فوراً، إذا كان الله وحده لا شريك له المُتحكم بكل مُجريات القضاء والقدر، ولا تسقط من ورقة شجر إلا بعلمه وأمره وحده لا شريك له، ولا يتنفس مُتنفس ولا يرى رائي ولا يسمع سامع ولا يُحدث أحد حدث إلا بعلمه وأمره، إذا كان ذلك فأين هو التخيّر الذي يُحاسبنا الله – تعالى- عليه وهو العدل الذي لا يجوز بحقه أن يُجبرنا ثم يُحاسبنا على ما أجبرنا عليه؟
القضاء والقدر كتبه الله – تعالى- منه الثابت ومنه المُتغير المكتوب بلغة الاحتمالات، والذي يتغير بناء على أمور أولها هو نيتنا، قال تعالى: {ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} الأنفال 53، وقال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } الرعد11.
وبناء على النية يُسيّر ويسخر الله – تعالى- القضاء والقدر الذي سبق وأن كتبه - سبحانه وتعالى- بلغة الاحتمالات، فلا يخرج خيارنا عن شيء لا يعلمه الله –تعالى- نحن ننوي وبناء على نيتنا يُحدد الله – تعالى- مُجريات القضاء والقدر، فتُفتح الاحتمالات التي تتناسب مع نيتنا وتُغلق الاحتمالات التي لا تتناسب مع نيتنا، وتأملوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم:- ( ثلاث هن رواجع على أهلها البغي والمكر والنكث، أما البغي فقوله تعالى ( يأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُمْ ) والمكر (وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ) والنكث ( فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ)).
عندما يكمن أحد الأطراف المكر فإن القضاء والقدر، والسابق كتابته بلغة الاحتمالات، يتشكل ويتحدد بأمر الله – تعالى- ليفتح احتمالات ويُغلق أخرى فينقلب المكر على الماكر (وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ) فاطر43، هذا قانون الله – تعالى- في تسير الأحداث قال تعالى: ( لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ) يونس64، ويجري في نية البغي أو النكث ما يجري في نية المكر، والبغي هو الطغيان في الظلم، والنكث هو الغدر في الاتفاق أو العهد أو العقد سواء كان مكتوباً أو مُتعارفاً عليه بين الأطراف.
وكل نية سيئة تجر على صاحبها الخسران بمشيئة الله تعالى، فالخائن لا يهديه الله تعالى وبالتالي تنتهي رحلة خيانته بالخسارة، قال تعالى: { وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} يوسف 52.
وكل نية حسنة يقضي الله لصاحبها النصر في نهاية رحلة إحسانه، فيرفع الله المتوكلين والمخلصين والمجاهدين والصابرين والموفين والمتقين والمحسنين.
كل الإخلاص للناس هو من الإخلاص لله – تعالى- وكل الوفاء للناس هو في الحقيقة من الوفاء لله –تعالى- وكل الأمانة للناس هي في الحقيقة من الأمانة لله –تعالى- لان الله هو مالك الملك، مالك كل شيء، ولا يغدو مالك العمارة التي تستأجر فيها أو الشركة التي تعمل فيها أو الوزير في الوزارة إلا موظف عند الله تعالى برتبة تبدو للناس أنها رتبة أعلى ممن يعمل تحت يده، فمن وفى فقد وفى للمالك الحقيقي ألا إنه الله –تعالى- ومن أخلص فقد أخلص للمالك الحقيقي ألا إنه الله – تعالى- ومن صدق فقد صدق الله – تعالى- ومن غدر أو مكر أو نكث أو غش، فقد غدر بالله – تعالى- لأنه لولا أن زرع الله الثقة في قلب المغدور ما كان ليؤمّن للغادر، ولولا أن زرع الله الحب والود في قلب المُحب لما كان قد حب من نكث ومكر وخان وغش.
مسئوليتنا وحريتنا محصورة في النية التي يُصدِّقها العمل، انوي الجهاد لتكن كلمة الله هي العليا، انوي الوفاء بالعهود، انوي أداء الأمانة، انوي سداد الدين، انوي الإخلاص في العمل، وأصْدُقْ الله بأن تتبع نيتك العمل الذي يتوافق مع نيتك واصبر، ثم دع الباقي لله تعالى الذي – سبحانه – سيسير القضاء والقدر والأحداث والخلق للتوافق مع نيتك.
والنية هي عمل سري بين المرء وربه، لا يعلمها إلا الله - تعالى- ويصدقها أو يكذبها العمل، لذلك قال الحبيب صلوات الله عليه: ( الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل )، والذين يدعون بحسن النوايا وأعمالهم شاهد على كذبهم، هم منافقون أتقنوا النفاق حتى أنهم كذبوا على أنفسهم، هؤلاء لن يستطيعوا أن يكذبوا على الله تعالى، قال تعالى: ( مَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) الحج74.
لكن ليس بالنية وحدها يتم تحديد احتمالات القضاء والقدر، بل بأمرين آخرين هما الدعاء وموقفنا من الأحداث.
تأملوا قول الرسول صلوات الله عليه: إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه ولا يرد القدر إلا بالدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر، وفي حديث أخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر، وفي رواية أخرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزيد في العمر إلا البر ولا يرد القدر إلا الدعاء وإن الرجل ليحرم الرزق بخطيئة يعملها.
وعليه فإن جلال الله - تعالى – يختار بشكل آلي وفوري لحظي من القضاء والقدر الاحتمال السابق كتابته بناءً على الدعاء وموقفنا من الأحداث، فالذي عُرض عليه الذنب فأختار أن يرتكب الذنب، هو في الحقيقة ساهم في تحديد قضاءه وقدره فتم اختيار مسار مستقبله ليُحرم الرزق، والذي أختار البر زاد عمره.
سبحان الله - تعالى – حتى الأعمار تزيد وتنقص بناء على خياراتنا، وتأملوا قوله تعالى: وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}، وقول رسول الله صلوات الله عليه: { ولا يزيد في العمر إلا البر}، وهكذا تزيد وتنقص أرزاقنا وأمننا وعلمنا، ورحمة الناس بنا، وظلم الظالمين لنا، بل أن الله يهدينا أو يحرمنا الهدى بناء على سابق أعمالنا، وتأملوا قول الله تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ} الأنفال 23، إن مجرد سماع كلمة الهدى قد يحرمها الله الذين أساؤوا السوء.
لا يرحمك أحد إلا لأن الله - تعالى - وضع في قلبه الرحمة لك، ولا يظلمك أحد إلا لأن الله – تعالى -وضع فيه الظلم لك، سبحانه يضر لينفع، ويضر ليرفع، ويضر ليدفع، ويضر ليقطع، سبحانه عليم خبير قد أحاط بكل شيء علما، ولا يشغله عمل عن عمل ولا يمسه من لغوب، سبحانه يتدبر شؤون ذرات الكون بدون أدنى انشغال أو تعب قال سبحانه: (وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) سورة البقرة255، وتأملوا قول الله تعالى في الحديث القدسي: أفعل ما شئت كما تدين تُدان.
كل معروف تعمله مع وردة أو عصفور أو صغير أو ضعيف يُغير بقضائك وقدرك، وكل نظرة تختلسها تغير بقضائك وقدرك، وكل نظرة حسد أو حقد أو حرف تنطق به في حق الغير يُغير بقضائك وقدرك، وكل نية تنويها للخير أو الشر تغير بقضائك وقدرك، وتأملوا قول الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } الرعد 11.
سبحانه - وتعالى – يُغير القضاء والقدر لحظياً بناءً على ما يتغير في نوايا كل الخلق وبناءً على دعائهم وبناءً على موقف كل منهم من الأحداث، وهذا هو شرح قوله تعالى: { يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} الرحمن 29.