قال الإِمام أبو حنيفة- رحمه الله تعالى - :
اعلموا يا أصحابي وإِخواني ، أنَّ مذهب أهلِ السنة والجماعة على اثنتي عشرة خصلة :
الأولى : الإِيمان ، وهو إِقرارٌ باللسان وتصديقٌ بالجَنان .
والإِقرار وحده لا يكون إِيمانًا ، لأنه لو كان إِيمانًا لكان المنافقون كلهم مؤمنون .
وكذلك المعرفة وحدها لا تكون إِيمانًا ، لأنها لو كانت إِيمانًا لكان أهل الكتاب مؤمنين .
والمؤمن مؤمن حقًا ، والكافر كافر حقًا ، وليس في الإِيمان شك ، كما أنه ليس في الكفر شَك ، قال الله تعالى : { أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا } [ الأنفال : 4 ] .
وقال : { أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا } [ النساء : 151 ] .
والعاصون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم كلهم مؤمنون حقًا وليسوا بكافرين .
وتقدير الخير والشر من الله تعالى ، لأنه لو زعم أحد أن قدير الخير والشر من غيره ، لصار كافرًا بالله تعالى ، وبطل توحيده .
والثانية : نُقر بأن الأعمال ثلاثة ؛ فريضة ، وفضيلة ، ومعصية :
فالفريضة بأمر الله ومَشيئتِه ورضائِه وقدره وتَخليقه وكتابته في اللوح المحفوظ .
والفضيلة ليست بأمر الله ، ولكن بمشيئتِه ومحبته ورضائه وقدره وتخليقه وكتابته في اللوح المحفوظ .
والمعصية ليست بأمر الله ، لكن بمشيئته لا بمحبته ، وبقضائه لا برضائه ، وبتقديره لا بتوفيقه ، وبخذلانه وعلمه وكتابته في اللوح المحفوظ .
والثالثة : نُقرّ بأن الله سبحانه وتعالى على العرش استوى ،
وهو حافظ للعرش ، وغير العرش ، من غير احتياج ، فلو كان محتاجًا لما قدر على إِيجاد العالم وتدبيره .
والرابعة : نُقِرّ بأن القرآن كلامُ الله تعالى ، غير مخلوق ، ووحيه وتنزيله ، لا هو ولا غيره ، بل هو صفته على التحقيق ، مكتوب في المصاحف ، مقروءٌ بالألسنة ، محفوظ في الصدور ، غير حالٍّ فيها . والحِبر والكاغَدُ والكتابة مخلوق ، لأنها أفعال العباد ؛ لأن الكتابة والحروف والكلمات والآيات آلة القرآن ، لحاجة العباد إِليها .
الخامسة : نُقرّ بأن أفضل هذه الأمة بعد نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ؛ أبو بكر الصدِّيق ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي
رضوان الله عليهم أجمعين ، لقول الله تعالى : { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ }{ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ }{ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ } [ الواقعة : 10 - 12 ] .
وكل من كان أسبق إِلى الخير فهو أفضل عند الله تعالى ، ويحبهم كل مؤمن تقي ، ويبغضهم كل منافق شقيّ .
والسادسة : نُقر بأن العبدَ معِ أعماله وإِقراره ومعرفته مخلوق ،
فلما كان الفاعل مخلوقاَ ، فأفعاله أولى أن تكون مخلوقة .
والسابعة : نُقرّ بأن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق ولم يكن لهم طاقة ،
لأنهم ضُعفاء عاجزون ، فالله تعالى خالقهم ورازقهم ، لقوله تعالى : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } [ الروم : 40 ] . والكسب بالعلم والمال من الحلال حلال ، ومن الحرام حَرام .
والثامنة : نُقر بأن الاستطاعة مع الفعل ، لا قبل الفعل ، ولا بعد
الفعل ، لأنه لو كان قبل الفعل لكان العبد مستغنيًا عن الله تعالى وقت الحاجة ، فهذا خلاف حكم النص ، لقوله تعالى : { وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ } [ محمد : 38 ] .
ولو كان بعد الفعل لكان من المحال ، لأنه حصول بغير استطاعة ولا طاقة .
والتاسعة : نُقرّ بأن المسحَ على الخُفين واجب للمقيم يومًا وليلة ،
وللمسافر ثلاثة أيام ولياليها ، لأن الحديث ورد هكذا .
فمن أنكر فإِنه يُخشى عليه الكفر ، لأنه قريب من الخبر المتواتر .
والقصر والإِفطار في السفر رخصةٌ بنص الكتاب .
والعاشرة : نُقرُّ بأن الله تعالى أمر القلم أن يكتب ،
فقال القلم : ماذا أكتب يا ربِّ ؟ فقال الله تعالى : اكتب ما هو كائن إِلى يوم القيامة ، لقوله تعالى : { وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ }{ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ } [ القمر : 52 ، 53 ] .
والحادية عشرة : نُقرّ بأن عذاب القبر كائنٌ لا محالة ، وسُؤالَ مُنكر ونكير حَقٌ ، لورود الأحاديث .
والجَنَّة والنارَ حَقٌ ، لقوله تعالى : { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ } [ الأنبياء : 47 ] .
وقراءةَ الكتب حق ، لقوله تعالى : { اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } [ الإِسراء : 14 ] .
والثانية عشرة : نُقرُّ بأن الله تعالى يُحيي هذه النفوسَ بعدَ الموت ، ويَبعثهم في يوم كان مقدارُه خمسين ألف سنة ، للجزاء والثواب وأداء الحقوق ، لقوله تعالى : { وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ } [ الحج : 7 ] .
ولقاء الله تعالى لأهلِ الحقِّ حقُّ بلا كَيْفية ولا تشبيه ولا وَجْه .
وشفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لكل من هو من أهل الجنة ، وإِن كان صاحب الكبيرة .
وعائشة - رضي الله عنها - بعد خديجة الكبرى أفضل نساء العالمين ، وأم المؤمنين ، ومطهرة من الزنى بريئة عما قال الروافض ، فمن شهد عليها بالزنى فهو ولد الزنى .
وأهل الجنة في الجنة خالدون ، وأهل النار في النار خالدون ، لقوله تعالى في حق المؤمنين : . . . { أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [ الأعراف : 42 ] ، وفي حق الكفار : . . . { أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [ البقرة : 39 ] ،
والله تعالى أعلم .