السلامـ عليكمـ ورحمة الله وبركاته
الحج المبرور جزاؤه الجنة
الحمد لله الذي جعل كلمة التوحيد لعباده حرزًا وحصنًا، وجعل البيت العتيق مثابة
للناس وأمنًا، والصلاة والسلام على محمد نبي الرحمة وسيد الأمة، وعلى ءاله
وصحبه الطيبين أتباع الحق، وسادة الخلق. إنّ الحج من أعظم أركان الإسلام
وفريضة عظيمةٌ بها يُهدمُ ما قبلها من الذنوب، لقول الرسول الكريم
صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص: "أما علمت يا عمرو أن الإسلام
يهدم ما قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأنَّ الحج يهدم ما كان قبله"
رواه مسلم وغيره.
وقد جعل الله للحج مزية ليست للصلاة ولا للصيام ولا للزكاة وهي أنه يُكَفِّرُ الكبائر
والصغائر لقوله عليه الصلاة والسلام: "من حجّ فلم يرفث ولم يفسق خرج من
ذنوبه كيوم ولدته أمه" رواه البخاري، بخلاف الصلوات الخمس والزكاة والصيام،
فإنها لا تكفّر الكبائر، ومع ذلك الصلواتُ الخمس مرتبتُها في الدين أعلى من مرتبة
الحج، فإن قيل: كيف يكون ذلك؟
فالجواب:أن المزيّة لا تقتضي التفضيل. أي أن الحج
وإن كان يُكفِّرُ الكبائر والصغائر بخلاف الصلوات الخمس والصيام والزكاة فليس ذلك دليلاً
على أن الحج أفضل من الصلوات الخمس. والشرط في كون الحج يكفّر الكبائر والصغائر
ويجعل الإنسان كيوم ولدته أمه أن تكون نيته خالصة لله تعالى، قال عز وجل:
{وما أُمروا إلا ليعبدوا اللهَ مخلصينَ له الدين} [سورة البيّنة/5]. وأن يكون المال الذي
يتزوده لحجِّه حلالاً، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :"إنَّ اللهَ طيب لا يقبل إلا طيبًا"
أي أنَّ الله كامل الصفات لا يقبل إلا حلالاً، ويقول الله تعالى:
{يا أيها الذين ءامنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم}
[سورة البقرة/267] أي من الحلال.
ومعلوم أهمية إنفاق الحلال وأكل الحلال في دين الله عز وجلَّ.
ومن شروط الحج المبرور الذي يُكفِّر الذنوب الكبائر والصغائر أن يحفظ المرء نفسه
من الفسوق أي من كبائر الذنوب ومن الجماع، فأما من لم يكن بهذه الصفة
فلا يجعله حجّه كيوم ولدته أمه، هذا معنى بعض ما يحويه حديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه".
لكنه لو لم يحفظ نفسه من صغائر الذنوب فلا يمنعه ذلك من تلك الفضيلة وهو أن
يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فلا يقال للذي تحصل منه الصغائر وهو في الحج
(ككذبة ليس فيها إلحاقُ ضرر بمسلم) "فسدَ حجّك"، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وجد صبيحة العيد بمنى امرأةً شابةً جميلة تسأله عن مسألة في الحج فجعل
ابن عمه ينظر إليها أعجبه حسنها، وجعلت هي تنظر إليه أعجبها حُسْنُه،
فصرف رسول الله عليه الصلاة والسلام عُنُقَ ابن عمه الذي كان راكبًا خلفه
على البعير إلى الشقِّ الآخر، ولم يقل له "أنت أذهبت ثواب حجك لأنك نظرت نظرة محرمة".
هذا الحديث رواه البخاري والترمذي.
ومما يدل على فضل الحج أنه جمع أنواع رياضة النفس أي تهذيبها، ففيه إنفاق مال
وفيه جهد نفس بنحو الجوع والعطش والسهر واقتحام مهالك وفراق وطن وأهل
وإخوة أي الأصحاب، ورحم الله العالم الجليل عبد الله الحضرمي الملقب بالفقيه المقدم.
فقد قال :"إنّ من تكلف الحج شوقًا إلى بيت الله وحرصًا على إقامة الفريضة إيمانه أكمل،
وثوابه أعظم وأجزل لكن بشرط أن لا يضيع بسببه شيئًا من الفرائض، وإلا كان ءاثمًا
واقعًا في الحرج كمن بنى قصرًا وهدم مصرًا" فما أعظم هذه الفريضة التي قال
فيها الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم "العمرة إلى العمرة كفارة
لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" رواه مالك والبخاري ومسلم.
وما أعظم الآية القرءانية الثالثة من سورة المائدة التي نزلت على أعظم خلق الله
سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وهو في أداء فريضة الحج العظيمة وهي حجة
الوداع وفي يوم عظيم مبارك وهو يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع. وفي أعظم أيام
العام يوم عرفة، يقول الله تعالى في ءاخر هذه الآية :{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت
عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا} [سورة المائدة/3] روي أنه لما نزلت هذه
الآية قال أهل الكتاب: لو أنزلت هذه الآية علينا لجعلناها يوم عيد، فقال عمر رضي
الله عنه: أشهد لقد أنزلت هذه الآية في يوم عيدين اثنين: يوم عرفة،
ويوم جمعة على رسول الله وهو واقف بعرفة.
واعلم يا أخي المسلم أن الخليفة الراشد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه
سمى الحجَّ أحد الجهادين فقال: شدوا الرحال في الحج فإنه أحد الجهادين.
وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم الحج للنساء جهاد. فقد روى البخاري أن
السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا
نجاهد، قال: لا، لكُنَّ أفضل الجهاد حجٌّ مبرور. وقد سئل عليه الصلاة والسلام:
أي العمل أفضل؟ فقال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟
قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور" رواه البخاري ومسلم.
والحج المبرور هو الذي يكون بنية خالصة لله تعالى من مال حلال وتُجتَنبُ فيه كبائر
الذنوب ومنها الجماع أثناء الإحرام.
واعلم أيها الحاج أنَّ قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه"
هذا في غير حقوق الآدمي فإنّ حق الآدمي لا بد أن يُؤدى لصاحبه ولا يسقط بالحج،
وكذلك من كان عليه صلوات في ذمته لا تسقط بالحج بل لا بد من قضائها لأن
الرسول صلى الله عليه وسلم قال :"من نامَ عن صلاة أو نسيها فليُصلِّها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك" رواه البخاري وابن حبان.
وهذا في حق من نسي الصلاة أو نام عنها، فكيف بمن تركها عمدًا فلا بدَّ له من
قضائها، كذلك من كان عليه صيام أيام من رمضان لا تسقط بالحج فلا بد من
قضائها حتى تبرأ ذمته. فانتبه لذلك يا أخي المسلم.
جعلنا الله تعالى من حجاج بيت الله الحرام ومن زوار قبر نبيه عليه الصلاة والسلام،
ورزقنا رؤيته صلى الله عليه وسلم على الصورة الأصلية في المنام. وأحسن
لنا ولكم الختام. وما أجمل أن نختم حديثنا بحديث نبوي يُثْلجُ صدورنا ويفرح قلوبنا
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إذا خرج الحاج حاجّا بنفقة طيبة ووضع
رِجله في الفرز (وهو ركاب من الجلد) فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء
(أي مَلَك): لبيك وسعديك، زادك حلال وراحلتك حلال وحجك مبرور غير مأزور"
رواه الطبراني في الأوسط.
نسأل الله العظيم ربَّ العرش العظيم أن يحسن ختامنا وأن يُيَسِّر لنا الحج وأن
يجعل ءاخر كلامنا لا إله إلا اللهُ محمدٌ رسول الله. وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
م ن ق و ل
الحج المبرور جزاؤه الجنة
الحمد لله الذي جعل كلمة التوحيد لعباده حرزًا وحصنًا، وجعل البيت العتيق مثابة
للناس وأمنًا، والصلاة والسلام على محمد نبي الرحمة وسيد الأمة، وعلى ءاله
وصحبه الطيبين أتباع الحق، وسادة الخلق. إنّ الحج من أعظم أركان الإسلام
وفريضة عظيمةٌ بها يُهدمُ ما قبلها من الذنوب، لقول الرسول الكريم
صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص: "أما علمت يا عمرو أن الإسلام
يهدم ما قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأنَّ الحج يهدم ما كان قبله"
رواه مسلم وغيره.
وقد جعل الله للحج مزية ليست للصلاة ولا للصيام ولا للزكاة وهي أنه يُكَفِّرُ الكبائر
والصغائر لقوله عليه الصلاة والسلام: "من حجّ فلم يرفث ولم يفسق خرج من
ذنوبه كيوم ولدته أمه" رواه البخاري، بخلاف الصلوات الخمس والزكاة والصيام،
فإنها لا تكفّر الكبائر، ومع ذلك الصلواتُ الخمس مرتبتُها في الدين أعلى من مرتبة
الحج، فإن قيل: كيف يكون ذلك؟
فالجواب:أن المزيّة لا تقتضي التفضيل. أي أن الحج
وإن كان يُكفِّرُ الكبائر والصغائر بخلاف الصلوات الخمس والصيام والزكاة فليس ذلك دليلاً
على أن الحج أفضل من الصلوات الخمس. والشرط في كون الحج يكفّر الكبائر والصغائر
ويجعل الإنسان كيوم ولدته أمه أن تكون نيته خالصة لله تعالى، قال عز وجل:
{وما أُمروا إلا ليعبدوا اللهَ مخلصينَ له الدين} [سورة البيّنة/5]. وأن يكون المال الذي
يتزوده لحجِّه حلالاً، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :"إنَّ اللهَ طيب لا يقبل إلا طيبًا"
أي أنَّ الله كامل الصفات لا يقبل إلا حلالاً، ويقول الله تعالى:
{يا أيها الذين ءامنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم}
[سورة البقرة/267] أي من الحلال.
ومعلوم أهمية إنفاق الحلال وأكل الحلال في دين الله عز وجلَّ.
ومن شروط الحج المبرور الذي يُكفِّر الذنوب الكبائر والصغائر أن يحفظ المرء نفسه
من الفسوق أي من كبائر الذنوب ومن الجماع، فأما من لم يكن بهذه الصفة
فلا يجعله حجّه كيوم ولدته أمه، هذا معنى بعض ما يحويه حديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه".
لكنه لو لم يحفظ نفسه من صغائر الذنوب فلا يمنعه ذلك من تلك الفضيلة وهو أن
يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فلا يقال للذي تحصل منه الصغائر وهو في الحج
(ككذبة ليس فيها إلحاقُ ضرر بمسلم) "فسدَ حجّك"، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وجد صبيحة العيد بمنى امرأةً شابةً جميلة تسأله عن مسألة في الحج فجعل
ابن عمه ينظر إليها أعجبه حسنها، وجعلت هي تنظر إليه أعجبها حُسْنُه،
فصرف رسول الله عليه الصلاة والسلام عُنُقَ ابن عمه الذي كان راكبًا خلفه
على البعير إلى الشقِّ الآخر، ولم يقل له "أنت أذهبت ثواب حجك لأنك نظرت نظرة محرمة".
هذا الحديث رواه البخاري والترمذي.
ومما يدل على فضل الحج أنه جمع أنواع رياضة النفس أي تهذيبها، ففيه إنفاق مال
وفيه جهد نفس بنحو الجوع والعطش والسهر واقتحام مهالك وفراق وطن وأهل
وإخوة أي الأصحاب، ورحم الله العالم الجليل عبد الله الحضرمي الملقب بالفقيه المقدم.
فقد قال :"إنّ من تكلف الحج شوقًا إلى بيت الله وحرصًا على إقامة الفريضة إيمانه أكمل،
وثوابه أعظم وأجزل لكن بشرط أن لا يضيع بسببه شيئًا من الفرائض، وإلا كان ءاثمًا
واقعًا في الحرج كمن بنى قصرًا وهدم مصرًا" فما أعظم هذه الفريضة التي قال
فيها الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم "العمرة إلى العمرة كفارة
لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" رواه مالك والبخاري ومسلم.
وما أعظم الآية القرءانية الثالثة من سورة المائدة التي نزلت على أعظم خلق الله
سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وهو في أداء فريضة الحج العظيمة وهي حجة
الوداع وفي يوم عظيم مبارك وهو يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع. وفي أعظم أيام
العام يوم عرفة، يقول الله تعالى في ءاخر هذه الآية :{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت
عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا} [سورة المائدة/3] روي أنه لما نزلت هذه
الآية قال أهل الكتاب: لو أنزلت هذه الآية علينا لجعلناها يوم عيد، فقال عمر رضي
الله عنه: أشهد لقد أنزلت هذه الآية في يوم عيدين اثنين: يوم عرفة،
ويوم جمعة على رسول الله وهو واقف بعرفة.
واعلم يا أخي المسلم أن الخليفة الراشد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه
سمى الحجَّ أحد الجهادين فقال: شدوا الرحال في الحج فإنه أحد الجهادين.
وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم الحج للنساء جهاد. فقد روى البخاري أن
السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا
نجاهد، قال: لا، لكُنَّ أفضل الجهاد حجٌّ مبرور. وقد سئل عليه الصلاة والسلام:
أي العمل أفضل؟ فقال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟
قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور" رواه البخاري ومسلم.
والحج المبرور هو الذي يكون بنية خالصة لله تعالى من مال حلال وتُجتَنبُ فيه كبائر
الذنوب ومنها الجماع أثناء الإحرام.
واعلم أيها الحاج أنَّ قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه"
هذا في غير حقوق الآدمي فإنّ حق الآدمي لا بد أن يُؤدى لصاحبه ولا يسقط بالحج،
وكذلك من كان عليه صلوات في ذمته لا تسقط بالحج بل لا بد من قضائها لأن
الرسول صلى الله عليه وسلم قال :"من نامَ عن صلاة أو نسيها فليُصلِّها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك" رواه البخاري وابن حبان.
وهذا في حق من نسي الصلاة أو نام عنها، فكيف بمن تركها عمدًا فلا بدَّ له من
قضائها، كذلك من كان عليه صيام أيام من رمضان لا تسقط بالحج فلا بد من
قضائها حتى تبرأ ذمته. فانتبه لذلك يا أخي المسلم.
جعلنا الله تعالى من حجاج بيت الله الحرام ومن زوار قبر نبيه عليه الصلاة والسلام،
ورزقنا رؤيته صلى الله عليه وسلم على الصورة الأصلية في المنام. وأحسن
لنا ولكم الختام. وما أجمل أن نختم حديثنا بحديث نبوي يُثْلجُ صدورنا ويفرح قلوبنا
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إذا خرج الحاج حاجّا بنفقة طيبة ووضع
رِجله في الفرز (وهو ركاب من الجلد) فنادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء
(أي مَلَك): لبيك وسعديك، زادك حلال وراحلتك حلال وحجك مبرور غير مأزور"
رواه الطبراني في الأوسط.
نسأل الله العظيم ربَّ العرش العظيم أن يحسن ختامنا وأن يُيَسِّر لنا الحج وأن
يجعل ءاخر كلامنا لا إله إلا اللهُ محمدٌ رسول الله. وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
م ن ق و ل