من آداب وفقه الدعاء :
إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،
من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه ؛ وعلى آله ؛ وصحبه وسلم .
:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " {آل عمران : 102}
:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " {النساء :1}
:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا" { الأحزاب : 70 -71}
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
من آداب وفقه الدعاء :
(1) استحباب الوضوء :
عَنْ أَبِي بُرْدَةَ ،عَنْ أَبِي مُوسَى: دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ بِهِ ،ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ:" اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ ،وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ ،فَقَالَ:" اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنْ النَّاسِ". (1)
وعَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ ، أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي . قَالَ :" إِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ لَكَ ، وَإِنْ شِئْتَ أَخَّرْتُ ذَاكَ فَهُوَ خَيْرٌ" فَقَالَ: ادْعُهُ ،فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنَ وُضُوءَهُ فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ ، وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ فَتَقْضِي لِي ، اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ ".(2)
(2)استحباب استقبال القبلة :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ الطُّفَيْلُ بن عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ دَوْسًا قَدْ عَصَتْ، وَأَبَتْ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ النَّاسُ: هَلَكَتْ دَوْسٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا، وَائْتِ بِهِمْ". (3)
والدليل على ذلك أيضًا ما أخرجه الإمام مسلم في " صحيحه " من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ ، نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ ، وَأَصْحَابُهُ ثَلاَثُ مِئَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً ، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْقِبْلَةَ ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ ،. . ." الحديث
وعن عَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ الْمَازِنِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ عَمَّهُ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا يَسْتَسْقِي، فَحَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ يَدْعُو اللَّهَ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. (4)
(3) استحباب رفع اليدين وصفته :
عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ ، يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ، أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ ". (5)
والدليل أيضًا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم الفعلية نذكر بعض منها على سبيل المثال :
جاء معنا في آداب استحباب " الطهارة " رفع صلى الله عليه وسلم يده في دعاءه لعبيد بن عامر، وأيضًا في أدب " استقبال القبلة " رفع يديه صلى الله عليه وسلم في دعاءه لدوس ، ودعاءه يوم بدر .
وأخرج مسلم في صحيحه ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا : أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَلاَ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ "رَبِّ إِنَهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي " وَقَالَ عِيْسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ " إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ :"اللَّهُمَّ! أُمَّتِي أُمَّتِي ،. .». الحديث (6)
وسيأتى معنا بتمامه في " الفصل السابع "
ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه يوم الجمعة على المنبر للاستسقاء وفيه عن أنس رضي الله عنه : " فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ،اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ،اللَّهُمَّ أَغِثْنَا،. . . " الحديث (7)
أما الذي ورد عن أنس رضي الله عنه في " الصحيحين " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ لاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِن دُعَائِهِ ، إِلاَّ فِي الاِسْتِسْقَاءِ ، فَإِنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ.
يقول أحد علماؤنا – حفظه الله - : فإما أن يُحمل على نفي صفة معينة من صفات الرفع ، أي لا يبالغ في رفع يديه إلا في الاستسقاء حتى يُرى بياض إبطيه ، وإما أن يحمل على أن أنسًا قال بالذي قد علم ، وغيره علم ما لم يعلم ونقل ما لم ينقل ، والثاني أظهر لأنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه في مواطن أُخر قدمنا بعضها ، والله أعلم .
وأقول سائلاً الله التوفيق : قول الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه يُحمل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه في شيء من دعائه على المنبر يوم الجمعة إلا في الاستسقاء وسيأتي معنا إنما كان يشير بالسبابة ، وهذا سياق كلامه رضي الله عنه وأيضًا لعلم الصحابة رضوان الله عليهم من رفع النبي صلى الله عليه وسلم ليديه في الدعاء في كثير من المواطن التي يُستبعد أن لا يكون يعلمها أنس - رضي الله عنه – الذي خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين . ولذا أورد الإمام البغوي في "شرح السنة " حديث أنس الذي معنا في باب " كراهية رفع اليدين في الخطبة ." والله أعلم .
النهي عن رفع اليدين بالدعاء على المنبر في غير الاستسقاء :
عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، قَالَ : رَأَى عُمَارَةُ بْنُ رُوَيْبَةَ بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ ، وَهُوَ يَدْعُو ، فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ ، فَقَالَ عُمَارَةُ : قَبَّحَ اللهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ . قَالَ زَائِدَةُ : قَالَ حُصَيْنٌ : حَدَّثَنِي عُمَارَةُ ، قَالَ : لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، مَا يَزِيدُ عَلَى هَذِهِ ، يَعْنِى السَّبَّابَةَ الَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ. (8)
وقال الإمام البغوي -رحمه الله – في شرح السنة : رفع اليدين في الخطبة غير مشروع ، وفي الاستسقاء سنة ، فإن استسقى في خطبة الجمعة يرفع يديه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم . (9)
حكم رفع الحضور لخطبة الجمعة لأيديهم في تأمينهم على دعاء الخطيب على المنبر يوم الجمعة:
روى ابن أبي شيبة – رحمه الله - في " مصنفه " عن معمر -رحمه الله- عن الزهري -رحمه الله - قال : رفع الأيدي يوم الجمعة محدث .((10)
وروى بإسناد صحيح عن مسروق – رحمه الله – قال : " رفع الإمام يوم الجمعة يداه على المنبر ، فرفع الناس أيديهم فقال مسروق : قطع الله أيديهم .(11)
وقال أبو شامة – رحمه الله – في "الباعث على إنكار البدع والحوادث " في بد ع الخطبة : وأما رفع أيديهم عند الدعاء ، فبدعة قديمة.(12)
وقال السيوطي – رحمه الله – في " الأمر بالاتباع والنهي عن الإبتداع " في بدع الخطبة : ورفع أيديهم عند الدعاء ، فبدعة قبيحة ".اه (13)
صفة رفع اليدين :
وعن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " سَلُوْا اللهَ بِبُطُوْنِ أَكُفِّكُمْ، وَلاَ تَسْأَلُوهُ بِظُهُوْرِهَا ".(14)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما ،قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إِذَا دَعا جَعَلَ بَاطنَ كَفِّهِ إِلَى وَجْهِهِ.(15)
وتقليب الكفين عند الدعاء ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الاستسقاء خاصة ولعل الحكمة في الإشارة بظهر الكفين في الاستسقاء دون غيره التفاؤل بتقليب الحال كما قيل في تحويل الرداء .(16)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْمَسْأَلَةُ أَنْ تَرْفَعَ يَدَيْكَ حَذْوَ مَنْكِبَيْكَ أَوْ نَحْوَهُمَا، وَالاِسْتِغْفَارُ أَنْ تُشِيرَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ ،وَالاِبْتِهَالُ أَنْ تَمُدَّ يَدَيْكَ جَمِيعًا.(17)
الدعاء بالسبابة على المنبر وغيره :
جاء معنا صفة الدعاء بالإشارة بالسبابة على المنبر في غير الاستسقاء ، وإليك الدليل على الدعاء بالسبابة في غير ذلك ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ :أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَدْعُو بِأُصْبُعَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَحِّدْ أَحِّدْ ".(18)
وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - : قال : مَرَّ عَليَّ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا أدْعُو ، وَأُشِيرُ بِإِصْبَعَيَّ ، فقال : "أَحِّدْ أحِّدْ "وَأَشار بالسَّبَّابَةِ". (19)
وقال ابن الأثير – رحمه الله - : أي أشر بأصبع واحدة ، لأن الذي تطلب منه واحد ، وهو الله تعالى.
قال الترمذي : - رحمه الله – ومعنى هذا الحديث : إذا أشار الرجل بإصبعيه في الدعاء عند الشهادة ،لا يشير إلا بإصبع واحدة . اه
(4)حمد الله- تعالى - وتمجيده والثناء عليه والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم:
وعن فَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ - رضي الله عنه - قال : سَمِعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً يَدْعُو في صَلاَتِهِ لَمْ يُمَجِّدِ الله تَعَالَى ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النبي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : " عَجِلَ هَذَا » ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ - أَوْ لِغَيْرِهِ - : " إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النبي - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ ".(20)
وعَنْ جَابِر بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : "أَفْضَل الذِّكْر : لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ : الْحَمْدُ للهِ". (21)
(5) مسألة بدء المرء بالدعاء لنفسه وللغير :
من هديه صلى الله عليه وسلم كان يبدأ بالدعاء لنفسه :
عَنْ أَبِي أَيُّوبَ ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا دَعَا بَدَأَ بنفْسِهِ ".(22)
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَعَا بَدَأَ بِنَفْسِهِ ، وَقَالَ : رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى ، لَوْ صَبَرَ لَرَأَى مِنْ صَاحِبِهِ الْعَجَبَ ، وَلَكِنَّهُ قَالَ :"إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِي عُذْرًا".(23)
ومن هديه أيضًا صلى الله عليه وسلم كان يبدأ بالدعاء لغيره :
عن عَبْدَ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْمًا فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ ، فَغَضِبَ حَتَّى رَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ: " يَرْحَمُ اللَّهَ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ".(24)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "يَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ".(25)
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَقْرَأُ فِي الْمَسْجِدِ ، فَقَالَ:" رَحِمَهُ اللَّهُ ، لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً ؛ أَسْقَطْتُهَا فِي سُورَةِ كَذَا وَكَذَا".(26)
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ ، وَلا تًَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ ".(27)
ومن المستحب الدعاء لعموم المسلمين والمؤمنين :
لقوله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم : " وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ "{ محمد :19}.
وقوله تعالى عن نوح عليه السلام : " رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ "{نوح :28} ، وقوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام : " رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41) " { إبراهيم : 41}
وقوله تعالى عن المؤمنين : " وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10 { الحشر : 10}
وسيأتي معنا دعائه صلى الله عليه وسلم لعموم أمته في " بيان رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته في باب الدعاء " ، وقد سبق معنا آنفًا بيان استجابة الله لدعاء المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب ، وأن الملك يرد عليه بقوله ولك بمثله ،وأن المسلم يؤجر حسنة عن كل مؤمن أو مؤمنة لاستغفاره لعموم المؤمنين .
(6) النهي عن أن تحجر واسعًا :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلَاةِ وَقُمْنَا مَعَهُ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ :اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا ، وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا، فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ:" لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعًا "،يُرِيدُ رَحْمَةَ اللَّهِ . (28)
(7)استحباب تكرار الدعاء وطلب المغفرة ثلاثًا :
فعن ابن مسعود رضي الله عنه ؛ في حديث دعائه صلى الله عليه وسلم على الملأ من قريش قال : وَكَانَ إِذا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا ، وَإِذا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا -قَالَ : اللَّهُمَّ عَلَيْك بِقُرَيْش - ثَلَاث مَرَّات -. . ."الحديث (29)
(8)عزم المسألة :
عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ ، وَلاَ يَقُولَنَّ اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي ، فَإِنَّهُ لاَ مُسْتَكْرِهَ لَهُ". (30)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ إِذَا دَعَا : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ ، لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ ، فَإِنَّهُ لاَ مُكْرِهَ لَهُ". (31)
قال الإمام النووي – رحمه الله - : قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا دَعَا أَحَدكُمْ فَلْيَعْزِمْ فِي الدُّعَاء ، وَلَا يَقُلْ : اللَّهُمَّ إِنْ شِئْت فَأَعْطِنِي فَإِنَّ اللَّه لَا مُسْتَكْرِه لَهُ "وَفِي رِوَايَة : " فَإِنَّ اللَّه صَانِع مَا شَاءَ لَا مُكْرِه لَهُ "
وَفِي رِوَايَة : " وَلْيَعْزِمْ الرَّغْبَة فَإِنَّ اللَّه لَا يَتَعَاظَمهُ شَيْء أَعْطَاهُ " قَالَ الْعُلَمَاء : عَزْم الْمَسْأَلَة الشِّدَّة فِي طَلَبهَا ، وَالْجَزْم مِنْ غَيْر ضَعْف فِي الطَّلَب ، وَلَا تَعْلِيق عَلَى مَشِيئَة وَنَحْوهَا ، وَقِيلَ : هُوَ حُسْن الظَّنّ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي الْإِجَابَة . وَمَعْنَى الْحَدِيث : اِسْتِحْبَاب الْجَزْم فِي الطَّلَب ، وَكَرَاهَة التَّعْلِيق عَلَى الْمَشِيئَة ، قَالَ الْعُلَمَاء : سَبَب كَرَاهَته أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّق اِسْتِعْمَال الْمَشِيئَة إِلَّا فِي حَقِّ مَنْ يَتَوَجَّه عَلَيْهِ الْإِكْرَاه ، وَاَللَّه تَعَالَى مُنَزَّه عَنْ ذَلِكَ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِر الْحَدِيث : فَإِنَّهُ لَا مُسْتَكْرِه لَهُ ، وَقِيلَ : سَبَب الْكَرَاهَة أَنَّ فِي هَذَا اللَّفْظ صُورَة الِاسْتِعْفَاء عَلَى الْمَطْلُوب وَالْمَطْلُوب مِنْهُ . (32)
(9) إخفاء الدعاء :
قال تعالى : " ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً"{الأعراف:55}
وامتدح الله عبده ونبيه زكريا فقال : " إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3)"{مريم:3}
ولقوله صلى الله عليه وسلم : " أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِنَّكُمْ لَيْسَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وَهُوَ مَعَكُمْ". (33)
وفي رواية للبخاري : " إِنَّهُ مَعَكُمْ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ، تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ ".(34)
وفي رواية للإمام أحمد : " إِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا ،إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ". (35)
قال الإمام النووي – رحمه الله - : اربعوا بهمزة وصل ، وبفتح الباء الموحدة ، معناه ارفقوا بأنفسكم ، واخفضوا أصواتكم ، فإن رفع الصوت إنما يفعله الإنسان لبعد من يخاطبه ليسمعه ، وأنتم تدعون الله تعالى ، وليس هو بأصم ، ولا غائب ، بل هو سميع قريب ، وهو معكم بالعلم والإحاطة ، ففيه الندب إلى خفض الصوت بالذكر ، إذا لم تدع الحاجة إلى رفعه ، فإنه إذا خفضه كان أبلغ في توقيره وتعظيمه. اه (36)
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ :نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: "وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا " فِي الدُّعَاءِ . (37)
وذكر ابن القيم – رحمه الله – عشرة فوائد عظيمة في إخفاء الدعاء من أراد أن يتتبعها فعليه بمراجعتها في كتابه " التفسير القيم "
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البخاري(6383)،ومسلم (2498)،وابن حبان في" صحيحه"( 7198).
(2)صحيح :أخرجه الترمذي(3578) ، وابن ماجة(1385) ، والحاكم في " المستدرك "(1180) ،وغيرهم ، انظر" صحيح الجامع " للألباني (1279)
(5)صحيح : أخرجه أحمد في" المسند"(23765) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح ، وأبو داود(1488) ، والترمذي(3556)، وابن ماجة(3865) ، والحاكم في " المستدرك "(1830) ، وصححه الألباني في" صحيح الجامع " (1757) ، و" الترغيب "(2/272) .
(6) مسلم (202) ،وابن حبان في " صحيحه"( 7235).
(7)البخاري(1014)،ومسلم (897).
(8) مسلم (874)، وأحمد(17263) ، وأبو داود(1104) ، والترمذي ، والنسائي(1412) ، والدارمي ، وابن خزيمة ، وابن حبان .
(9)" شرح السنة "(4/257) ، باب " كراهة رفع اليدين في الخطبة " .
(10) "مصنف أبي شيبة " : (5692) وقال : وهذ إسناد صحيح إلى الزهري .
(11) "مصنف أبي شيبة " (5495) .
(12)"الباعث على إنكار البدع والحوادث "(ص 111) .
(13)"الأمر بالاتباع" (247) .
(14)صحيح : أخرجه الطبراني في " الكبير "، عن أبي بكرة ، انظر " صحيح الجامع " (3634).
(15) صحيح : رواه الطبراني في " الكبير" ، انظر " صحيح الجامع " (4721) .
(16) " نيل الأوطار"للشوكاني ( 4/10) .
(17)أخرجه الضياء (468) ،وأبو داود (1489)وصححه الألباني.
(18)حسن : أخرجه الترمذي(3810) ، والنسائي (1272) ، وانظر ، "مشكاة المصابيح " (913) .
(19) إسناده صحيح :أخرجه أبو داود (1499) ، والنسائي (1273)، وأبو يعلى (793)، والحاكم في " المستدرك " (1966)وقال : إسناده صحيح ، ووافقه الذهبي . وصححه الألباني في " صحيح أبي داود (1344) .
(20)صحيح : أخرجه أحمد في " مسنده " (23982) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح ، وأبو داود(1481) ، والترمذي(3477) ، والنسائي(1284) ،وقال الألباني في " صحيح سنن أبي داود (1331): إسناده صحيح .
(21)حسن : أخرجه الترمذي(3383) ،والنسائي ، وابن ماجة(3800) ، وابن حبان في " صحيحه "(846) قال شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن ، والحاكم في " المستدرك " (1852) وقال : هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه0 وانظر " صحيح الجامع " (1104) .
(22)صحيح : رواه الطبرني في " الكبير " ، انظر " صحيح الجامع " للألباني (4720) .
وان
إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،
من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه ؛ وعلى آله ؛ وصحبه وسلم .
:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " {آل عمران : 102}
:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " {النساء :1}
:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا" { الأحزاب : 70 -71}
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
من آداب وفقه الدعاء :
(1) استحباب الوضوء :
عَنْ أَبِي بُرْدَةَ ،عَنْ أَبِي مُوسَى: دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ بِهِ ،ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ:" اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ ،وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ ،فَقَالَ:" اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنْ النَّاسِ". (1)
وعَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ ، أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي . قَالَ :" إِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ لَكَ ، وَإِنْ شِئْتَ أَخَّرْتُ ذَاكَ فَهُوَ خَيْرٌ" فَقَالَ: ادْعُهُ ،فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنَ وُضُوءَهُ فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ ، وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ فَتَقْضِي لِي ، اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ ".(2)
(2)استحباب استقبال القبلة :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ الطُّفَيْلُ بن عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ دَوْسًا قَدْ عَصَتْ، وَأَبَتْ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ النَّاسُ: هَلَكَتْ دَوْسٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا، وَائْتِ بِهِمْ". (3)
والدليل على ذلك أيضًا ما أخرجه الإمام مسلم في " صحيحه " من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ ، نَظَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ ، وَأَصْحَابُهُ ثَلاَثُ مِئَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً ، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْقِبْلَةَ ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ ،. . ." الحديث
وعن عَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ الْمَازِنِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ عَمَّهُ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا يَسْتَسْقِي، فَحَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ يَدْعُو اللَّهَ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. (4)
(3) استحباب رفع اليدين وصفته :
عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ ، يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ، أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ ". (5)
والدليل أيضًا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم الفعلية نذكر بعض منها على سبيل المثال :
جاء معنا في آداب استحباب " الطهارة " رفع صلى الله عليه وسلم يده في دعاءه لعبيد بن عامر، وأيضًا في أدب " استقبال القبلة " رفع يديه صلى الله عليه وسلم في دعاءه لدوس ، ودعاءه يوم بدر .
وأخرج مسلم في صحيحه ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا : أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - تَلاَ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ "رَبِّ إِنَهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي " وَقَالَ عِيْسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ " إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ :"اللَّهُمَّ! أُمَّتِي أُمَّتِي ،. .». الحديث (6)
وسيأتى معنا بتمامه في " الفصل السابع "
ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه يوم الجمعة على المنبر للاستسقاء وفيه عن أنس رضي الله عنه : " فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ،اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ،اللَّهُمَّ أَغِثْنَا،. . . " الحديث (7)
أما الذي ورد عن أنس رضي الله عنه في " الصحيحين " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ لاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِن دُعَائِهِ ، إِلاَّ فِي الاِسْتِسْقَاءِ ، فَإِنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ.
يقول أحد علماؤنا – حفظه الله - : فإما أن يُحمل على نفي صفة معينة من صفات الرفع ، أي لا يبالغ في رفع يديه إلا في الاستسقاء حتى يُرى بياض إبطيه ، وإما أن يحمل على أن أنسًا قال بالذي قد علم ، وغيره علم ما لم يعلم ونقل ما لم ينقل ، والثاني أظهر لأنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه في مواطن أُخر قدمنا بعضها ، والله أعلم .
وأقول سائلاً الله التوفيق : قول الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه يُحمل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه في شيء من دعائه على المنبر يوم الجمعة إلا في الاستسقاء وسيأتي معنا إنما كان يشير بالسبابة ، وهذا سياق كلامه رضي الله عنه وأيضًا لعلم الصحابة رضوان الله عليهم من رفع النبي صلى الله عليه وسلم ليديه في الدعاء في كثير من المواطن التي يُستبعد أن لا يكون يعلمها أنس - رضي الله عنه – الذي خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين . ولذا أورد الإمام البغوي في "شرح السنة " حديث أنس الذي معنا في باب " كراهية رفع اليدين في الخطبة ." والله أعلم .
النهي عن رفع اليدين بالدعاء على المنبر في غير الاستسقاء :
عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، قَالَ : رَأَى عُمَارَةُ بْنُ رُوَيْبَةَ بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ ، وَهُوَ يَدْعُو ، فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ ، فَقَالَ عُمَارَةُ : قَبَّحَ اللهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ . قَالَ زَائِدَةُ : قَالَ حُصَيْنٌ : حَدَّثَنِي عُمَارَةُ ، قَالَ : لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، مَا يَزِيدُ عَلَى هَذِهِ ، يَعْنِى السَّبَّابَةَ الَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ. (8)
وقال الإمام البغوي -رحمه الله – في شرح السنة : رفع اليدين في الخطبة غير مشروع ، وفي الاستسقاء سنة ، فإن استسقى في خطبة الجمعة يرفع يديه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم . (9)
حكم رفع الحضور لخطبة الجمعة لأيديهم في تأمينهم على دعاء الخطيب على المنبر يوم الجمعة:
روى ابن أبي شيبة – رحمه الله - في " مصنفه " عن معمر -رحمه الله- عن الزهري -رحمه الله - قال : رفع الأيدي يوم الجمعة محدث .((10)
وروى بإسناد صحيح عن مسروق – رحمه الله – قال : " رفع الإمام يوم الجمعة يداه على المنبر ، فرفع الناس أيديهم فقال مسروق : قطع الله أيديهم .(11)
وقال أبو شامة – رحمه الله – في "الباعث على إنكار البدع والحوادث " في بد ع الخطبة : وأما رفع أيديهم عند الدعاء ، فبدعة قديمة.(12)
وقال السيوطي – رحمه الله – في " الأمر بالاتباع والنهي عن الإبتداع " في بدع الخطبة : ورفع أيديهم عند الدعاء ، فبدعة قبيحة ".اه (13)
صفة رفع اليدين :
وعن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " سَلُوْا اللهَ بِبُطُوْنِ أَكُفِّكُمْ، وَلاَ تَسْأَلُوهُ بِظُهُوْرِهَا ".(14)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما ،قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إِذَا دَعا جَعَلَ بَاطنَ كَفِّهِ إِلَى وَجْهِهِ.(15)
وتقليب الكفين عند الدعاء ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الاستسقاء خاصة ولعل الحكمة في الإشارة بظهر الكفين في الاستسقاء دون غيره التفاؤل بتقليب الحال كما قيل في تحويل الرداء .(16)
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْمَسْأَلَةُ أَنْ تَرْفَعَ يَدَيْكَ حَذْوَ مَنْكِبَيْكَ أَوْ نَحْوَهُمَا، وَالاِسْتِغْفَارُ أَنْ تُشِيرَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ ،وَالاِبْتِهَالُ أَنْ تَمُدَّ يَدَيْكَ جَمِيعًا.(17)
الدعاء بالسبابة على المنبر وغيره :
جاء معنا صفة الدعاء بالإشارة بالسبابة على المنبر في غير الاستسقاء ، وإليك الدليل على الدعاء بالسبابة في غير ذلك ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ :أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَدْعُو بِأُصْبُعَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَحِّدْ أَحِّدْ ".(18)
وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - : قال : مَرَّ عَليَّ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا أدْعُو ، وَأُشِيرُ بِإِصْبَعَيَّ ، فقال : "أَحِّدْ أحِّدْ "وَأَشار بالسَّبَّابَةِ". (19)
وقال ابن الأثير – رحمه الله - : أي أشر بأصبع واحدة ، لأن الذي تطلب منه واحد ، وهو الله تعالى.
قال الترمذي : - رحمه الله – ومعنى هذا الحديث : إذا أشار الرجل بإصبعيه في الدعاء عند الشهادة ،لا يشير إلا بإصبع واحدة . اه
(4)حمد الله- تعالى - وتمجيده والثناء عليه والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم:
وعن فَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ - رضي الله عنه - قال : سَمِعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً يَدْعُو في صَلاَتِهِ لَمْ يُمَجِّدِ الله تَعَالَى ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النبي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : " عَجِلَ هَذَا » ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ - أَوْ لِغَيْرِهِ - : " إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النبي - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ ".(20)
وعَنْ جَابِر بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : "أَفْضَل الذِّكْر : لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ : الْحَمْدُ للهِ". (21)
(5) مسألة بدء المرء بالدعاء لنفسه وللغير :
من هديه صلى الله عليه وسلم كان يبدأ بالدعاء لنفسه :
عَنْ أَبِي أَيُّوبَ ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا دَعَا بَدَأَ بنفْسِهِ ".(22)
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَعَا بَدَأَ بِنَفْسِهِ ، وَقَالَ : رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى ، لَوْ صَبَرَ لَرَأَى مِنْ صَاحِبِهِ الْعَجَبَ ، وَلَكِنَّهُ قَالَ :"إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِي عُذْرًا".(23)
ومن هديه أيضًا صلى الله عليه وسلم كان يبدأ بالدعاء لغيره :
عن عَبْدَ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْمًا فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ ، فَغَضِبَ حَتَّى رَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ: " يَرْحَمُ اللَّهَ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ".(24)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ،قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "يَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ".(25)
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَقْرَأُ فِي الْمَسْجِدِ ، فَقَالَ:" رَحِمَهُ اللَّهُ ، لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً ؛ أَسْقَطْتُهَا فِي سُورَةِ كَذَا وَكَذَا".(26)
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ ، وَلا تًَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ ".(27)
ومن المستحب الدعاء لعموم المسلمين والمؤمنين :
لقوله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم : " وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ "{ محمد :19}.
وقوله تعالى عن نوح عليه السلام : " رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ "{نوح :28} ، وقوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام : " رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41) " { إبراهيم : 41}
وقوله تعالى عن المؤمنين : " وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10 { الحشر : 10}
وسيأتي معنا دعائه صلى الله عليه وسلم لعموم أمته في " بيان رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته في باب الدعاء " ، وقد سبق معنا آنفًا بيان استجابة الله لدعاء المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب ، وأن الملك يرد عليه بقوله ولك بمثله ،وأن المسلم يؤجر حسنة عن كل مؤمن أو مؤمنة لاستغفاره لعموم المؤمنين .
(6) النهي عن أن تحجر واسعًا :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلَاةِ وَقُمْنَا مَعَهُ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ :اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا ، وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا، فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ:" لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعًا "،يُرِيدُ رَحْمَةَ اللَّهِ . (28)
(7)استحباب تكرار الدعاء وطلب المغفرة ثلاثًا :
فعن ابن مسعود رضي الله عنه ؛ في حديث دعائه صلى الله عليه وسلم على الملأ من قريش قال : وَكَانَ إِذا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا ، وَإِذا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا -قَالَ : اللَّهُمَّ عَلَيْك بِقُرَيْش - ثَلَاث مَرَّات -. . ."الحديث (29)
(8)عزم المسألة :
عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ ، وَلاَ يَقُولَنَّ اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي ، فَإِنَّهُ لاَ مُسْتَكْرِهَ لَهُ". (30)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ إِذَا دَعَا : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ ، لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ ، فَإِنَّهُ لاَ مُكْرِهَ لَهُ". (31)
قال الإمام النووي – رحمه الله - : قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا دَعَا أَحَدكُمْ فَلْيَعْزِمْ فِي الدُّعَاء ، وَلَا يَقُلْ : اللَّهُمَّ إِنْ شِئْت فَأَعْطِنِي فَإِنَّ اللَّه لَا مُسْتَكْرِه لَهُ "وَفِي رِوَايَة : " فَإِنَّ اللَّه صَانِع مَا شَاءَ لَا مُكْرِه لَهُ "
وَفِي رِوَايَة : " وَلْيَعْزِمْ الرَّغْبَة فَإِنَّ اللَّه لَا يَتَعَاظَمهُ شَيْء أَعْطَاهُ " قَالَ الْعُلَمَاء : عَزْم الْمَسْأَلَة الشِّدَّة فِي طَلَبهَا ، وَالْجَزْم مِنْ غَيْر ضَعْف فِي الطَّلَب ، وَلَا تَعْلِيق عَلَى مَشِيئَة وَنَحْوهَا ، وَقِيلَ : هُوَ حُسْن الظَّنّ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي الْإِجَابَة . وَمَعْنَى الْحَدِيث : اِسْتِحْبَاب الْجَزْم فِي الطَّلَب ، وَكَرَاهَة التَّعْلِيق عَلَى الْمَشِيئَة ، قَالَ الْعُلَمَاء : سَبَب كَرَاهَته أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّق اِسْتِعْمَال الْمَشِيئَة إِلَّا فِي حَقِّ مَنْ يَتَوَجَّه عَلَيْهِ الْإِكْرَاه ، وَاَللَّه تَعَالَى مُنَزَّه عَنْ ذَلِكَ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِر الْحَدِيث : فَإِنَّهُ لَا مُسْتَكْرِه لَهُ ، وَقِيلَ : سَبَب الْكَرَاهَة أَنَّ فِي هَذَا اللَّفْظ صُورَة الِاسْتِعْفَاء عَلَى الْمَطْلُوب وَالْمَطْلُوب مِنْهُ . (32)
(9) إخفاء الدعاء :
قال تعالى : " ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً"{الأعراف:55}
وامتدح الله عبده ونبيه زكريا فقال : " إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3)"{مريم:3}
ولقوله صلى الله عليه وسلم : " أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِنَّكُمْ لَيْسَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وَهُوَ مَعَكُمْ". (33)
وفي رواية للبخاري : " إِنَّهُ مَعَكُمْ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ، تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ ".(34)
وفي رواية للإمام أحمد : " إِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا ،إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ". (35)
قال الإمام النووي – رحمه الله - : اربعوا بهمزة وصل ، وبفتح الباء الموحدة ، معناه ارفقوا بأنفسكم ، واخفضوا أصواتكم ، فإن رفع الصوت إنما يفعله الإنسان لبعد من يخاطبه ليسمعه ، وأنتم تدعون الله تعالى ، وليس هو بأصم ، ولا غائب ، بل هو سميع قريب ، وهو معكم بالعلم والإحاطة ، ففيه الندب إلى خفض الصوت بالذكر ، إذا لم تدع الحاجة إلى رفعه ، فإنه إذا خفضه كان أبلغ في توقيره وتعظيمه. اه (36)
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ :نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: "وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا " فِي الدُّعَاءِ . (37)
وذكر ابن القيم – رحمه الله – عشرة فوائد عظيمة في إخفاء الدعاء من أراد أن يتتبعها فعليه بمراجعتها في كتابه " التفسير القيم "
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البخاري(6383)،ومسلم (2498)،وابن حبان في" صحيحه"( 7198).
(2)صحيح :أخرجه الترمذي(3578) ، وابن ماجة(1385) ، والحاكم في " المستدرك "(1180) ،وغيرهم ، انظر" صحيح الجامع " للألباني (1279)
(3)البخاري (6397) ، ومسلم (2524) وأحمد في "المسند" (7313).
(4)البخاري (1027،1028) ، ومسلم(894)،وأحمد في " المسند"(16439)،وأبو داود(1162) . . (5)صحيح : أخرجه أحمد في" المسند"(23765) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح ، وأبو داود(1488) ، والترمذي(3556)، وابن ماجة(3865) ، والحاكم في " المستدرك "(1830) ، وصححه الألباني في" صحيح الجامع " (1757) ، و" الترغيب "(2/272) .
(6) مسلم (202) ،وابن حبان في " صحيحه"( 7235).
(7)البخاري(1014)،ومسلم (897).
(8) مسلم (874)، وأحمد(17263) ، وأبو داود(1104) ، والترمذي ، والنسائي(1412) ، والدارمي ، وابن خزيمة ، وابن حبان .
(9)" شرح السنة "(4/257) ، باب " كراهة رفع اليدين في الخطبة " .
(10) "مصنف أبي شيبة " : (5692) وقال : وهذ إسناد صحيح إلى الزهري .
(11) "مصنف أبي شيبة " (5495) .
(12)"الباعث على إنكار البدع والحوادث "(ص 111) .
(13)"الأمر بالاتباع" (247) .
(14)صحيح : أخرجه الطبراني في " الكبير "، عن أبي بكرة ، انظر " صحيح الجامع " (3634).
(15) صحيح : رواه الطبراني في " الكبير" ، انظر " صحيح الجامع " (4721) .
(16) " نيل الأوطار"للشوكاني ( 4/10) .
(17)أخرجه الضياء (468) ،وأبو داود (1489)وصححه الألباني.
(18)حسن : أخرجه الترمذي(3810) ، والنسائي (1272) ، وانظر ، "مشكاة المصابيح " (913) .
(19) إسناده صحيح :أخرجه أبو داود (1499) ، والنسائي (1273)، وأبو يعلى (793)، والحاكم في " المستدرك " (1966)وقال : إسناده صحيح ، ووافقه الذهبي . وصححه الألباني في " صحيح أبي داود (1344) .
(20)صحيح : أخرجه أحمد في " مسنده " (23982) تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح ، وأبو داود(1481) ، والترمذي(3477) ، والنسائي(1284) ،وقال الألباني في " صحيح سنن أبي داود (1331): إسناده صحيح .
(21)حسن : أخرجه الترمذي(3383) ،والنسائي ، وابن ماجة(3800) ، وابن حبان في " صحيحه "(846) قال شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن ، والحاكم في " المستدرك " (1852) وقال : هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه0 وانظر " صحيح الجامع " (1104) .
(22)صحيح : رواه الطبرني في " الكبير " ، انظر " صحيح الجامع " للألباني (4720) .
وان