بسم الله الرحمن الرحيم
ليس عيبا ان يخطئ الانسان، فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، وإنما العيب والخلل في الاصرار على الخطأ والتمادي في الباطل، والاستنكاف عن الرجوع الى الحق، وبعض الناس تأخذهم العزة بالإثم فيحجمون عن الاعتراف بالخطأ والرجوع الى الحق، حيث ان الرجوع الى الحق يصعب على نفوس الكثيرين اذ يمنعهم من ذلك الكبر وحب الصدارة والتعالي والحرص على السمعة، وان من الشجاعة الادبية التي يحمد المرء عليها ان يعترف بالخطأ ويتراجع عنه، ولئن يكون الرجل ذنبا في الحق خير من ان يكون رأسا في الباطل، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يربي اصحابه على فضيلة الرجوع الى الحق، والمبادرة الى تصحيح الخلل والتوبة، وكانت للعلماء الكبار والأئمة المجتهدين مواقف في التراجع عن الخطأ، بل وفي الحض عليه، وكان الائمة الاربعة يعلنون انهم أبرياء من كل قول لهم يخالف كتاب الله وسنة رسوله، واشتهر كثير من العلماء برجوعهم الى الحق على الملأ من دون تحرك، كأبي الحسن الاشعري الذي نشأ على مذهب الاعتزال اربعين عاما، ثم اعلن على الملأ رجوعه الى الحق والدليل، وتبرأ مما سوى ذلك، وكأبي المعالي الجويني وأبي حامد الغزالي وغيرهم كثر، ولم يعدّ أحد رجوعهم عيبا أو منقصة، بل كان رفعة ومنقبة، لان الحق ضالة المؤمن،أنى وجدها اخذ بها، ومشهورة تلك القصة التي تنسب الى عمر بن الخطاب حينما رجع عن رأيه في تحديد مهور النساء، كما اعترضته امرأة واعلن عن ذلك بالقول: «أصابت امرأة وأخطأ عمر!»
وجاء في وصية عمر رضي الله عنه لابي موسى الاشعري حينما ولاه القضاء: «لا يمنعنّك قضاء قضيت فيه اليوم فراجعت فيه رأيك فهديت فيه لرشدك ان تراجع فيه الحق، فإن الحق قديم لا يبطله شيء، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل».
ومن صفات المؤمنين التواضع للحق والخضوع له ورفض الباطل وقمعه، ومخالفة النفس التي تهوى السكوت على الباطل، يقول عبدالرحمن بن مهدي: «كنا في جنازة فسألت شيخي عبيد الله بن الحسن العنبري عن مسألة فغلط فيها فقلت له وانا يومئذ حَدَث، وهو آنذاك سيدّ فقهاء البصرة وقاضيها: اصلحك الله ليس هكذا، القول فيها كذا وكذا، فأطرق ساعة ثم رفع رأسه فقال: صدقت يا غلام، إذاً ارجع الى قولك وأنا صاغر، لان اكون ذَنَبَاً في الحق، أحب الي من ان اكون رأسا في الباطل»، وقال رجل لمالك بن مغْول: «اتق الله»، فوضع خده بالارض تواضعا واستجابة وتلبية لهذا الامر، من دون تعال أو تكبر، ومما استدلوا به على ديانة عمرو بن عبيد انه قال في مسألة رأيا فأخطأ فيه، فناقشه واصل بن عطاء، فتبينت لعمرو بن عبيد خطوة في تلك المسألة فرجع فيها الى الحق، وقال على الملأ: «ما بيني وبين الحق من عداوة والقول قولك، واشهد من حضر اني تارك ما كنت عليه!» فأُعجب الناس بهذا الموقف النبيل اذ ان هذا العالم رجع الى الحق من دون شغب او خصام، بل بكل صراحة ووضوح! ذلك ان من مسالك النفس الحرص على الظهور بمظهر المصيب دائماً، ويصعب عليها التنازل لرأي الآخرين، وهي تتعصب للرأي أياً كان حقاً ام باطلاً. وليس هذا من شأن اهل الايمان والخشية، يقول الامام الشوكاني، رحمه الله: «ومن آفات التعصب الماحقة لبركة العلم، ان يكون طالب العلم قد قال بقول في مسألة، كما يصدر ممن يفتي او يصنف، يناظر غيره ويشتهر ذلك القول عليه، فانه يصعب عليه الرجوع الى ما يخالفه وان علم انه الحق، وتبين له فساد ما قاله، ولا سبب لهذا الاستصعاب الا تأثير الدنيا على الدين، فانه قد يسول له الشيطان او قد تسول له نفسه الامارة بالسوء، ان ذلك ينقصه ويحط من رتبته، ويخدش في تحقيقه ويغض من رئاسته! وهذا تخيل مختل وتسويل باطل، فان الرجوع للحق يوجب له من النبالة والجلالة وحسن الثناء ما لا يكون في التصميم على الباطل، بل ليس في التصميم على الباطل الا محض النقص والازراء بصاحبه، والاستصغار لشأنه، فان منهج الحق واضح كالمنار يفهمه اهل العلم ويعرفون براهينه».
والذي يريد الحق وينشده يقبله اياً كان مصدره او قائله، قال بعض السلف: «إقبل الحق ممن قاله وان كان بغيضاً، ورد الباطل على من قاله ولو كان حبيباً»!
ليس عيبا ان يخطئ الانسان، فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، وإنما العيب والخلل في الاصرار على الخطأ والتمادي في الباطل، والاستنكاف عن الرجوع الى الحق، وبعض الناس تأخذهم العزة بالإثم فيحجمون عن الاعتراف بالخطأ والرجوع الى الحق، حيث ان الرجوع الى الحق يصعب على نفوس الكثيرين اذ يمنعهم من ذلك الكبر وحب الصدارة والتعالي والحرص على السمعة، وان من الشجاعة الادبية التي يحمد المرء عليها ان يعترف بالخطأ ويتراجع عنه، ولئن يكون الرجل ذنبا في الحق خير من ان يكون رأسا في الباطل، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يربي اصحابه على فضيلة الرجوع الى الحق، والمبادرة الى تصحيح الخلل والتوبة، وكانت للعلماء الكبار والأئمة المجتهدين مواقف في التراجع عن الخطأ، بل وفي الحض عليه، وكان الائمة الاربعة يعلنون انهم أبرياء من كل قول لهم يخالف كتاب الله وسنة رسوله، واشتهر كثير من العلماء برجوعهم الى الحق على الملأ من دون تحرك، كأبي الحسن الاشعري الذي نشأ على مذهب الاعتزال اربعين عاما، ثم اعلن على الملأ رجوعه الى الحق والدليل، وتبرأ مما سوى ذلك، وكأبي المعالي الجويني وأبي حامد الغزالي وغيرهم كثر، ولم يعدّ أحد رجوعهم عيبا أو منقصة، بل كان رفعة ومنقبة، لان الحق ضالة المؤمن،أنى وجدها اخذ بها، ومشهورة تلك القصة التي تنسب الى عمر بن الخطاب حينما رجع عن رأيه في تحديد مهور النساء، كما اعترضته امرأة واعلن عن ذلك بالقول: «أصابت امرأة وأخطأ عمر!»
وجاء في وصية عمر رضي الله عنه لابي موسى الاشعري حينما ولاه القضاء: «لا يمنعنّك قضاء قضيت فيه اليوم فراجعت فيه رأيك فهديت فيه لرشدك ان تراجع فيه الحق، فإن الحق قديم لا يبطله شيء، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل».
ومن صفات المؤمنين التواضع للحق والخضوع له ورفض الباطل وقمعه، ومخالفة النفس التي تهوى السكوت على الباطل، يقول عبدالرحمن بن مهدي: «كنا في جنازة فسألت شيخي عبيد الله بن الحسن العنبري عن مسألة فغلط فيها فقلت له وانا يومئذ حَدَث، وهو آنذاك سيدّ فقهاء البصرة وقاضيها: اصلحك الله ليس هكذا، القول فيها كذا وكذا، فأطرق ساعة ثم رفع رأسه فقال: صدقت يا غلام، إذاً ارجع الى قولك وأنا صاغر، لان اكون ذَنَبَاً في الحق، أحب الي من ان اكون رأسا في الباطل»، وقال رجل لمالك بن مغْول: «اتق الله»، فوضع خده بالارض تواضعا واستجابة وتلبية لهذا الامر، من دون تعال أو تكبر، ومما استدلوا به على ديانة عمرو بن عبيد انه قال في مسألة رأيا فأخطأ فيه، فناقشه واصل بن عطاء، فتبينت لعمرو بن عبيد خطوة في تلك المسألة فرجع فيها الى الحق، وقال على الملأ: «ما بيني وبين الحق من عداوة والقول قولك، واشهد من حضر اني تارك ما كنت عليه!» فأُعجب الناس بهذا الموقف النبيل اذ ان هذا العالم رجع الى الحق من دون شغب او خصام، بل بكل صراحة ووضوح! ذلك ان من مسالك النفس الحرص على الظهور بمظهر المصيب دائماً، ويصعب عليها التنازل لرأي الآخرين، وهي تتعصب للرأي أياً كان حقاً ام باطلاً. وليس هذا من شأن اهل الايمان والخشية، يقول الامام الشوكاني، رحمه الله: «ومن آفات التعصب الماحقة لبركة العلم، ان يكون طالب العلم قد قال بقول في مسألة، كما يصدر ممن يفتي او يصنف، يناظر غيره ويشتهر ذلك القول عليه، فانه يصعب عليه الرجوع الى ما يخالفه وان علم انه الحق، وتبين له فساد ما قاله، ولا سبب لهذا الاستصعاب الا تأثير الدنيا على الدين، فانه قد يسول له الشيطان او قد تسول له نفسه الامارة بالسوء، ان ذلك ينقصه ويحط من رتبته، ويخدش في تحقيقه ويغض من رئاسته! وهذا تخيل مختل وتسويل باطل، فان الرجوع للحق يوجب له من النبالة والجلالة وحسن الثناء ما لا يكون في التصميم على الباطل، بل ليس في التصميم على الباطل الا محض النقص والازراء بصاحبه، والاستصغار لشأنه، فان منهج الحق واضح كالمنار يفهمه اهل العلم ويعرفون براهينه».
والذي يريد الحق وينشده يقبله اياً كان مصدره او قائله، قال بعض السلف: «إقبل الحق ممن قاله وان كان بغيضاً، ورد الباطل على من قاله ولو كان حبيباً»!