القرآن كتاب الله الذي لا تنقضي عجائبه، ولا تتناهى غرائبه، ولا يحيط بفوائده عند أهل العلم تحديد، ويزداد حلاوة عند أهل التلاوة بكثرة الترديد، وفِّقَ من آمن به، وصدق من قال به، وهُدِيَ من تمسك به، وفاز من عمل به، وهو أفضل عبادات المؤمن لقوله صلى الله عليه وسلم: (أفضل عبادة أمتي تلاوة القرآن)، ولقارئه عن كل حرف عشر حسنات لما رواه ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)، وقال صلى الله عليه وسلم: (من استمع إلى آية من كتاب الله عز وجل كانت له نوراً يوم القيامة)، وفي الخبر: كتب له عشر حسنات، ولقارئ القرآن الذي يتعتع فيه أجران لما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه، وهو عليه شاق له أجران).
أفضل شفيع
والقرآن شفيع لقارئه يوم القيامة، لما رواه مسلم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه)، وهو أفضل شفيع لصاحبه لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما من شفيع أفضل منزلة عند الله تعالى من القرآن لا نبي ولا مَلَك ولا غيره)، ويومئذٍ يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتقِ ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها، ويوم يرفع الله به أقوامًا ويضع به آخرين، كما أخبرنا صلى الله عليه وسلم، ولذلك يحسد صاحب القرآن حيث (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً، فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهارِ).
والقرآن كتاب الله المحفوظ برعاية الله وحفظه، قال تعالى(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9)، ومن أسباب حفظه في القلوب استدامة تلاوته، والمواظبة على دراسته، وقد خاب رجل ليس في جوفه شيء من القرآن، فهو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخَرِب).
والقرآن ربيع قلب المؤمن، وتلاوة القرآن تجلو القلوب، قال صلى الله عليه وسلم: (إن القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد)، فقيل يا رسول الله وما جلاؤها؟ فقال: (تلاوة القرآن وذكر الموت)، وقراءة القرآن تفرق بين المؤمن والمؤمن، وبينهما وبين المنافق، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة: ريحها طيب، وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة: لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة: ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة: ليس لها ريح وطعمها مُر)، والفارق كبير بين بيت يقرأ فيه القرآن وبيت هجره، فقد قال أبو هريرة: (إن البيت الذي يتلى فيه القرآن اتسع بأهله وكثر خيره وحضرته الملائكة وخرجت منه الشياطين وإن البيت الذي لا يُتلَى فيه كتاب الله عز وجل ضاق بأهله، وقل خيره، وخرجت منه الملائكة، وحضرته الشياطين).
القراءة في جماعة
ويستحب الاجتماع على قراءة القرآن لما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده)، وفي الخبر كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا أحدهم أن يقرأ سورة من القرآن، وقد كان عمر يقول لأبي موسى رضي الله عنهما: ذكرنا ربنا فيقرأ عنده حتى يكاد وقت الصلاة أن يتوسط فيقال يا أمير المؤمنين الصلاة الصلاة، فيقول: أولسنا في صلاة؟ إشارة إلى قوله عز وجل (ولذكر الله أكبر).
والمقصود من القراءة التدبر، والهدف منها العمل بما فيه، فعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يُؤْتَى يومَ القيامة بالقرآن وأهله، الذين كانوا يعملون به في الدنيا، تقدمه سورة البقرة وآل عمران، تحاجان عن صاحبهما)، فأهل القرآن هم الذين يعملون به في الدنيا، يحرمون حرامه ويحللون حلاله، قال صلى الله عليه وسلم: (ما آمن بالقرآن من استحل محارمه)، والفارق بين قراءة وأخرى أن القراءة المقبولة تنهى صاحبها عما نهى القرآن عنه، قال صلى الله عليه وسلم: (اقرأ القرآن ما نهاك، فإن لم ينهك فلست تقرؤه)، فليس المطلوب أن يمر القرآن على قلبك من دون أثر يبقى في السلوك والعمل، وفي حديث ابن عمر وحديث جندب رضي الله عنهما: لقد عشنا دهراً طويلاً وأحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن فتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فيتعلم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها وما ينبغي أن يقف عنده منها.
الورد اليومي
ويجب أن يكون لكل واحدٍ منا ورده اليومي، لا يتخلف عنه، ولا يعدل به شيئاً من الأمور الدنيوية، يقرأ فيه ما تيسر له من القرآن، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، أن يختم القرآن في كل سبع، وكذلك كان جماعة من الصحابة رضي الله عنهم يختمون القرآن في كل جمعة، منهم عثمان وزيد بن ثابت وابن مسعود وأبي بن كعب رضي الله عنهم.
وقد قال العلماء إن في الختم أربع درجات: الختم في يوم وليلة، وقد كرهه جماعة، والختم في كل شهر كل يوم جزء من ثلاثين جزءاً وكأنه مبالغة في الاقتصار كما أن الأول مبالغة في الاستكثار، والتفصيل في مقدار القراءة أنه إن كنت من العابدين السالكين طريق العمل فلا ينبغي أن تنقص عن ختمتين في الأسبوع، وإن كنت من السالكين بأعمال القلب وضروب الفكر أو من المشتغلين بنشر العلم فلا بأس أن تقتصر في الأسبوع على مرة، وإن كنت نافذ الفكر في معاني القرآن فقد تكتفي في الشهر بمرة لكثرة حاجتك إلى الكثير من التدبر والتأمل.
وأنت في أثناء القراءة إذا مررت بآية تسبيح فسبح وكبر، وإذا مررت بآية دعاء واستغفار فادع واستغفر، وإن مررت بمرجو فاسأل، وإن مررت بمخوف فاستعذ، افعل ذلك بلسانك وبقلبك، فقل: سبحان الله، نعوذ بالله، اللهم ارزقنا، اللهم ارحمنا، وفي الخبر عن حذيفة رضي الله عنه قال: (صليت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فابتدأ سورة البقرة، فكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل، ولا بآية عذاب إلا استعاذ، ولا بآية تنزيه إلا سبح، فإذا فرغ قال ما كان يقول صلوات الله وسلامه عند ختم القرآن: “اللهم ارحمني بالقرآن واجعله لي إماماً ونوراً وهدى ورحمة، اللهم ذكرني منه ما نسيت، وعلمني منه ما جهلت، وارزقني تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، واجعله لي حجة يا رب العالمين”).
هذا كلام ربك
وإذا شرعت في الإبحار في تلاوة وِرْدِك فينبغي لك أن تستحضر في قلبك عظمة المتكلم، فلا تنس أن ما تقرؤه ليس من كلام البشر، ولا تغفل عن أن ما يجري على لسانك من تلاوة هو كلام الله عز وجل، فإنه تعالى قال: (لا يمسه إلا المطهرون) والمقصود طهارة الجسد وطهارة القلب، قال العلماء: كما أن ظاهر جلد المصحف وورقه محروس عن ظاهر بشرة اللامس إلا إذا كان متطهراً، فباطن معناه أيضاً بحكم عزه وجلاله محجوب عن باطن القلب إلا إذا كان متطهراً عن كل رجس ومستنيراً بنور التعظيم والتوقير، وكما لا يصلح لمسِّ جلد المصحف كل يد، فلا يصلح لتلاوة حروفه كل لسان ولا لنيل معانيه كل قلب.
ولمثل هذا التعظيم كان عكرمة بن أبي جهل إذا نشر المصحف غشي عليه ويقول: هو كلام ربي، هو كلام ربي.
ولا شك أن تعظيم الكلام من تعظيم المتكلم، وأنت لن تحضرك عظمة المتكلم ما لم تتفكر في صفاته وجلاله وأفعاله، فإذا حضر ببالك العرش والكرسي والسموات والأرض وما بينها من الجن والإنس والدواب والأشجار، وإذا علمت أن الخالق لجميعها والقادر عليها والرازق لها واحد، وأن الكل في قبضة قدرته، مترددون بين فضله ورحمته، وبين نقمته وسطوته، إن أنعم فبفضله، وإن عاقب فبعدله، وأنه هو سبحانه الذي يقول هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي، ستعرف ساعتئذٍ أن هذا غاية العظمة والتعالي، وبالتفكر في أمثال هذا يحضر تعظيم المتكلم ثم تعظيم الكلام وستترك حديث النفس، والمعظم للكلام الذي يتلوه يستبشر به ويستأنس ولا يغفل عنه.
واعلم أن تلاوة القرآن هي مفتاحك إلى الحضرة العلية، فأنت إذا أردت أن تتكلم إلى ربك فقم إلى صلاتك، وإذا أردت أن يكلمك الله فاجلس إلى كتابه العزيز، جلسة المتلقي عن رب العزة، واقرأ ما تيسر لك من كلام ربك، فذلك خير عباداتك.
أفضل شفيع
والقرآن شفيع لقارئه يوم القيامة، لما رواه مسلم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه)، وهو أفضل شفيع لصاحبه لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما من شفيع أفضل منزلة عند الله تعالى من القرآن لا نبي ولا مَلَك ولا غيره)، ويومئذٍ يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتقِ ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها، ويوم يرفع الله به أقوامًا ويضع به آخرين، كما أخبرنا صلى الله عليه وسلم، ولذلك يحسد صاحب القرآن حيث (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً، فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهارِ).
والقرآن كتاب الله المحفوظ برعاية الله وحفظه، قال تعالى(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9)، ومن أسباب حفظه في القلوب استدامة تلاوته، والمواظبة على دراسته، وقد خاب رجل ليس في جوفه شيء من القرآن، فهو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخَرِب).
والقرآن ربيع قلب المؤمن، وتلاوة القرآن تجلو القلوب، قال صلى الله عليه وسلم: (إن القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد)، فقيل يا رسول الله وما جلاؤها؟ فقال: (تلاوة القرآن وذكر الموت)، وقراءة القرآن تفرق بين المؤمن والمؤمن، وبينهما وبين المنافق، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة: ريحها طيب، وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة: لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة: ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة: ليس لها ريح وطعمها مُر)، والفارق كبير بين بيت يقرأ فيه القرآن وبيت هجره، فقد قال أبو هريرة: (إن البيت الذي يتلى فيه القرآن اتسع بأهله وكثر خيره وحضرته الملائكة وخرجت منه الشياطين وإن البيت الذي لا يُتلَى فيه كتاب الله عز وجل ضاق بأهله، وقل خيره، وخرجت منه الملائكة، وحضرته الشياطين).
القراءة في جماعة
ويستحب الاجتماع على قراءة القرآن لما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده)، وفي الخبر كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا أحدهم أن يقرأ سورة من القرآن، وقد كان عمر يقول لأبي موسى رضي الله عنهما: ذكرنا ربنا فيقرأ عنده حتى يكاد وقت الصلاة أن يتوسط فيقال يا أمير المؤمنين الصلاة الصلاة، فيقول: أولسنا في صلاة؟ إشارة إلى قوله عز وجل (ولذكر الله أكبر).
والمقصود من القراءة التدبر، والهدف منها العمل بما فيه، فعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يُؤْتَى يومَ القيامة بالقرآن وأهله، الذين كانوا يعملون به في الدنيا، تقدمه سورة البقرة وآل عمران، تحاجان عن صاحبهما)، فأهل القرآن هم الذين يعملون به في الدنيا، يحرمون حرامه ويحللون حلاله، قال صلى الله عليه وسلم: (ما آمن بالقرآن من استحل محارمه)، والفارق بين قراءة وأخرى أن القراءة المقبولة تنهى صاحبها عما نهى القرآن عنه، قال صلى الله عليه وسلم: (اقرأ القرآن ما نهاك، فإن لم ينهك فلست تقرؤه)، فليس المطلوب أن يمر القرآن على قلبك من دون أثر يبقى في السلوك والعمل، وفي حديث ابن عمر وحديث جندب رضي الله عنهما: لقد عشنا دهراً طويلاً وأحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن فتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فيتعلم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها وما ينبغي أن يقف عنده منها.
الورد اليومي
ويجب أن يكون لكل واحدٍ منا ورده اليومي، لا يتخلف عنه، ولا يعدل به شيئاً من الأمور الدنيوية، يقرأ فيه ما تيسر له من القرآن، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، أن يختم القرآن في كل سبع، وكذلك كان جماعة من الصحابة رضي الله عنهم يختمون القرآن في كل جمعة، منهم عثمان وزيد بن ثابت وابن مسعود وأبي بن كعب رضي الله عنهم.
وقد قال العلماء إن في الختم أربع درجات: الختم في يوم وليلة، وقد كرهه جماعة، والختم في كل شهر كل يوم جزء من ثلاثين جزءاً وكأنه مبالغة في الاقتصار كما أن الأول مبالغة في الاستكثار، والتفصيل في مقدار القراءة أنه إن كنت من العابدين السالكين طريق العمل فلا ينبغي أن تنقص عن ختمتين في الأسبوع، وإن كنت من السالكين بأعمال القلب وضروب الفكر أو من المشتغلين بنشر العلم فلا بأس أن تقتصر في الأسبوع على مرة، وإن كنت نافذ الفكر في معاني القرآن فقد تكتفي في الشهر بمرة لكثرة حاجتك إلى الكثير من التدبر والتأمل.
وأنت في أثناء القراءة إذا مررت بآية تسبيح فسبح وكبر، وإذا مررت بآية دعاء واستغفار فادع واستغفر، وإن مررت بمرجو فاسأل، وإن مررت بمخوف فاستعذ، افعل ذلك بلسانك وبقلبك، فقل: سبحان الله، نعوذ بالله، اللهم ارزقنا، اللهم ارحمنا، وفي الخبر عن حذيفة رضي الله عنه قال: (صليت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فابتدأ سورة البقرة، فكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل، ولا بآية عذاب إلا استعاذ، ولا بآية تنزيه إلا سبح، فإذا فرغ قال ما كان يقول صلوات الله وسلامه عند ختم القرآن: “اللهم ارحمني بالقرآن واجعله لي إماماً ونوراً وهدى ورحمة، اللهم ذكرني منه ما نسيت، وعلمني منه ما جهلت، وارزقني تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، واجعله لي حجة يا رب العالمين”).
هذا كلام ربك
وإذا شرعت في الإبحار في تلاوة وِرْدِك فينبغي لك أن تستحضر في قلبك عظمة المتكلم، فلا تنس أن ما تقرؤه ليس من كلام البشر، ولا تغفل عن أن ما يجري على لسانك من تلاوة هو كلام الله عز وجل، فإنه تعالى قال: (لا يمسه إلا المطهرون) والمقصود طهارة الجسد وطهارة القلب، قال العلماء: كما أن ظاهر جلد المصحف وورقه محروس عن ظاهر بشرة اللامس إلا إذا كان متطهراً، فباطن معناه أيضاً بحكم عزه وجلاله محجوب عن باطن القلب إلا إذا كان متطهراً عن كل رجس ومستنيراً بنور التعظيم والتوقير، وكما لا يصلح لمسِّ جلد المصحف كل يد، فلا يصلح لتلاوة حروفه كل لسان ولا لنيل معانيه كل قلب.
ولمثل هذا التعظيم كان عكرمة بن أبي جهل إذا نشر المصحف غشي عليه ويقول: هو كلام ربي، هو كلام ربي.
ولا شك أن تعظيم الكلام من تعظيم المتكلم، وأنت لن تحضرك عظمة المتكلم ما لم تتفكر في صفاته وجلاله وأفعاله، فإذا حضر ببالك العرش والكرسي والسموات والأرض وما بينها من الجن والإنس والدواب والأشجار، وإذا علمت أن الخالق لجميعها والقادر عليها والرازق لها واحد، وأن الكل في قبضة قدرته، مترددون بين فضله ورحمته، وبين نقمته وسطوته، إن أنعم فبفضله، وإن عاقب فبعدله، وأنه هو سبحانه الذي يقول هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي، ستعرف ساعتئذٍ أن هذا غاية العظمة والتعالي، وبالتفكر في أمثال هذا يحضر تعظيم المتكلم ثم تعظيم الكلام وستترك حديث النفس، والمعظم للكلام الذي يتلوه يستبشر به ويستأنس ولا يغفل عنه.
واعلم أن تلاوة القرآن هي مفتاحك إلى الحضرة العلية، فأنت إذا أردت أن تتكلم إلى ربك فقم إلى صلاتك، وإذا أردت أن يكلمك الله فاجلس إلى كتابه العزيز، جلسة المتلقي عن رب العزة، واقرأ ما تيسر لك من كلام ربك، فذلك خير عباداتك.