تحدث القرآن عن أول مرحلة من مراحل القيامة وهي النفخ في الصور، هذه النفخة تصعق جميع المخلوقات، ومن ثم تأتي النفخة الثانية لتجعلهم يُبعثون من جديد..
سوف نعيش في رحاب آية عظيمة تحوي إعجازاً مذهلاً وآيات أخرى أيضاً وصف الله لنا بدقة حقائق علمية لا يزال العلماء حتى اليوم يحتارون في تفسيرها، يقول تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) [الزمر: 68].
والسؤال: ما هي حقيقة النفخ في الصور؟ وما هو تأثير الصوت على الإنسان، وما علاقة الصاعقة بالنفخ في الصور؟ وهل تحوي هذه الآية وغيرها من الآيات حقائق علمية عن تأثير الصوت العالي على الإنسان؟ وهل وصف الله لنا بدقة ما يسميه العلماء اليوم بالأسلحة الصوتية؟ هذا ما سنتناوله في فقرات هذا البحث إن شاء الله.
ما هو الصوت؟
الصوت هو عبارة عن اهتزازات ميكانيكية تنتقل في الهواء على شكل موجات صوتية، وتؤثر على طبلة الأذن فتجعلها تهتز وتنقل هذه الذبذبات إلى الدماغ ليحللها ويصدر أوامره للجسم. ويؤثر الصوت على الإنسان بشكل كبير وبخاصة إذا كانت قوة الصوت عالية ويؤدي إلى اضطرابات فيزيولوجية ونفسية عديدة تظهر على نظام عمل الجسم.
إن المجال الصوتي الذي نسمعه يتراوح بين 20 هرتز و 20000 هرتز، والترددات التي تقل عن 20 تعتبر موجات تحت صوتية infrasound ، والترددات التي تزيد على 20000 تعتبر ترددات فوق صوتية ultrasound.
تقاس قوة الصوت بواحدة قياس تدعى الدسبيل dBفعندما تصل قوة الصوت إلى 120 ديسيبل تتعرض الأذنلآلام واضحة، وعند 140 ديسبيل تنفجر طبلة الأذن، وعند 150 ديسيبل يبدأ القفص الصدري بالاهتزاز ويتعرض الإنسان للغثيان والسعال الحاد وضيق شديد في التنفس، وعند 200 ديسيبل تنفجر الرئتين، ثم أكثر من ذلك تتأذى كل أنحاء الجسم وتنتهي باضطرابات في عمل القلب والدماغ وتكون النتيجة هي الموت.
وعندما يتعرض الإنسان لترددات صوتية عالية فوق سمعية فإن درجة حرارة جسده ترتفع ثم يبدأ بالاحتراق، بسبب موجات الضغط العالية التي تسخن الهواء من حوله. وعندما تكون الترددات عالية والصوت شديداً فإن هذا الصوت سيولد فقاعات في الجسم وجروح دقيقة ويبدأ النسيج العضلي بالتمزق ويصبح الإنسان غثاء كغثاء السيل.
والصوت يؤثر ليس على الأذن فحسب بل إنه يؤثر على العظام والجلد وتجاويف الجسم، وكذلك على النظام العصبي لدى الإنسان، ويقول العلماء إن التأثيرات الحقيقية للأصوات الشديدة لا تزال مجهولة حتى الآن.
إن سرعة الصوت عند مستوى سطح البحر هي 1223 كيلو متر في الساعة، وهذا يعني بأن الطائرة عندما تتجاوز هذه السرعة فإنها تخترق ما يسمى بجدار الصوت وتتشكل خلفها موجات اهتزازية عنيفة تسبب تكاثف جزيئات البخار وتشكيل غيمة مؤقتة.
صورة من وكالة ناسا لطائرة حربية تسير بسرعة أكبر من سرعة الصوت، أي أنها تسبق صوتها، وهذه الطائرة تضغط أمامها الهواء بشدة ونتيجة لذلك تتكاثف جزيئات بخار الماء وتشكل ما يشبه الغيمة، هذه الصورة التقطت في اللحظة التي بدأت الطائرة فيها تخترق سرعة الصوت. المصدر www.nasa.gov
إذن عندما تسير الطائرة بسرعة أعلى من سرعة الصوت فإنها تضغط الأمواج الصوتية أمامها ثم تسبقها وتخلف وراءها دوياً عالياً، وهنا يمكن أن نعتبر أن الصوت يسبب الاهتزازات العنيفة.
الأسلحة الصوتية
وهي من أغرب أنواع الأسلحة التي فكر بها العلماء حديثاً، فهناك العديد من المحاولات لاختراع سلاح يمكن أن يستعمل الصوت بدلاً من الطلقات، هذا السلاح يصدر ترددات صوتية ذات كثافة عالية مما يؤدي إلى إخافة العدو والسيطرة عليه.
ويحاول بعض الباحثين تصميم أسلحة صوتية فعالة ولكن هناك صعوبات كثيرة من الصعب التغلب عليها وهي شكل الجهاز أو الأداة التي ستبث هذه الأصوات القوية والمدمرة. ولكن كما يقول بعض الباحثين إن أفضل وسيلة هي البوق الحلزوني الذي يشبه شكل القَرْن. إذن الأسلحة الصوتية تعتبر وسيلة حديثة وفعالة ولكن لم يتم اكتشافها بشكل كامل بعد.
والعجيب عزيزي القارئ أن الله تعالى حدثنا عن مثل هذا السلاح وكيف أن الله استخدمه ليعذب به قوم ثمود، حيث أرسل لهم الله نبياً اسمه صالح وأيده بمعجزة هي الناقة التي تشرب كمية من الماء ثم تسقي كل أفراد القبيلة، فطغوا وعقروا الناقة واستهزؤوا بصالح عليه السلام ورسالته، فأرسل الله عليهم صوتاً شديداً على شكل صاعقة فأهلكهم على الفور.
الصوت والصاعقة
إن الترددات الصوتية العالية تسبب انضغاطاً عنيفاً للهواء في مناطق محددة وتمدداً مفاجئاً في مناطق أخرى، وإذا كانت الترددات عالية جداً سببت موجات ضغط متقاربة تجعل جزيئات الهواء تحتك ببعضها بعنف مما يولد كمية كبيرة من الحرارة.
ولذلك فإن ما يحدث أثناء صاعقة البرق هو العكس، حيث يتمدد الهواء فجأة بسبب الارتفاع الكبير في درجة حرارة شعاع البرق (30 ألف درجة مئوية وهذه الدرجة تساوي خمسة أضعاف حرارة سطح الشمس!) وهذا يسبب موجات ضغط تصلنا على شكل صوت للرعد.
ولذلك هناك علاقة عكسية بين الصوت والصعق أو الحرارة الزائدة المفاجئة، ومن الممتع أن نذكر بأن أحد الباحثين اليوم يحاول الاستفادة من الحرارة في توليد الكهرباء، حيث يقوم بتحويل هذه الحرارة الناتجة عن احتراق الوقود مثلاً إلى صوت ومن ثم يحول الأمواج الصوتية إلى كهرباء.
ولذلك قال تعالى: (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ) [هود: 67]. وقال أيضاً: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [فصلت: 17]. نلاحظ أن الله تعالى ذكر الصيحة مرة، والصاعقة مرة، لأن الترددات الصوتية إذا كانت قوية بما فيه الكفاية تسبب الصاعقة التي تحرق أي شيء تصادفه.
القوة التدميرية للصوت
كذلك تحدث القرآن عن القوة التدميرية للصوت، وذلك في عذاب قبيلة ثمود، قال تعالى: (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [النمل: 51-52]. إذن الصوت كان سبباً في تدمير هؤلاء الطغاة، وهذا ما يقوله العلم اليوم، حيث يؤكد الباحثون في هذا المجال أن الترددات الصوتية عند قوة معينة تكون مدمرة وتفتت أي شيء تصادفه حتى الصخور!
ولذلك قال تعالى عن عذاب ثمود: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) [القمر: 31]. وهشيم المحتظر هو المرعى اليابس والمحترق والشوك، كما في تفسير ابن كثير. وقال أيضاً: (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [المؤمنون: 41]. والغثاء كما في القاموس المحيط: هو البالي من ورق الشجر المخالط زبد السيل.
والسؤال هنا لكل من يدّعي أن القرآن من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم: كيف علم هذا النبي الأمي بأن الصوت يمكن أن يدمر أي شيء ويفتت الأشياء ويحولها إلى غثاء وإلى هشيم، وأن الصوت يمكن أن يحرق أي شيء؟ الجواب هو أن الذي علم محمداً هو الله تبارك وتعالى.
تسلسل تأثير الصوت
ومن الأشياء الرائعة في هذه المعجزة أنها تصف لنا بدقة مذهلة ما يراه هؤلاء الكفار أثناء تعذيبهم، فالأذن هي العضو الأكثر تأثراً بالترددات الصوتية القوية، ثم تتأثر الرئتين والقلب والدماغ وأخيراً تتأثر العين، ولذلك فإن المعذَّب بالصوت يرى نفسه وهو ينهار شيئاً فشيئاً، وهذا ما حدث مع قبيلة ثمود، حيث أصابتهم الصاعقة وهم ينظرون، ولذلك قال تعالى: (وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ) [ الذاريات: 43-45].
الصوت والاهتزاز
إن هذه الصاعقة ما هي إلا ترددات صوتية اهتزازية شديدة، ويقول العلماء إن الإنسان إذا تعرض لترددات صوتية عنيفة فإن جسده يبدأ بالاهتزاز والرجفان، ولذلك فقد حدثنا القرآن عن "الرجفة" التي أصابت هؤلاء القوم، قال تعالى عن عذاب ثمود: (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ) [الأعراف: 78].
تناقض أم إعجاز؟!
وهنا نلاحظ أنه لا تناقض في القرآن بل إعجاز وإحكام. فقد يدعي بعض المشككين أن القرآن يناقض بعضه بعضاً، وهذا أسلوب لجأ إليه بعض أعداء الإسلام لتشكيك المسلمين بكتاب ربهم، وهو أن يصوروا القرآن على أنه متناقض وأن فيه اختلافات كثيرة. ولكن الله تعالى أكد لنا مسبقاً أن هذا القرآن لا يحوي أي اختلاف أو تناقض: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء: 82].
فقد يقولون إن القرآن وصف عذاب قبيلة ثمود مرة بالصيحة ومرة بالرجفة ومرة بالصاعقة ومرة بالهشيم، فأين التوافق في هذه الكلمات مع أنها مختلفة من حيث المعنى؟ ونقول نعم إن الله تعالى وصف عذاب قبيلة ثمود بأوصاف مختلفة ولكن العلم الحديث كشف عن الآثار التدميرية للصوت القوي، ورتب لنا هذه النتائج والآثار بترتيب يتناسب مع الحدث كما يلي:
1- الصوت (أي الصيحة) يسبب الاهتزاز والرجفان وهذا ما عبر عنه القرآن بقوله تعالى: (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ)، وذلك لأن الصوت هو عبارة عن أمواج اهتزازية، وعندما يتعرض الإنسان لصوت قوي جداً بشدة أكثر من 200 ديسيبل يبدأ الجسم بالاهتزاز والرجفان بسبب الأمواج الاهتزازية العنيفة.
2- الصوت القوي يسبب الصعق والحرائق وهذا ما عبر عنه القرآن بكلمة (الصاعقة) يقول تعالى: (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ)، لأن الترددات العالية والشديدة تجعل الهواء يتمدد بشكل مفاجئ وينضغط بشدة، وهذا يؤدي إلى رفع درجة حرارة الهواء إلى آلاف الدرجات المئوية، فيكون الصوت مترافقاً بالحرارة العالية وهذه هي الصاعقة.
3- إن الأصوات القوية (أكثر من 200 ديسبل) تؤدي إلى تمزق الجلد وانفجار الأذن والرئتين، ثم إذا زادت شدة الصوت فإنه يمزق أنسجة الجسم ويفتتها إلى قطع صغيرة محروقة تشبه الهشيم الذي تخلفه حرائق الغابات، وهذا ما وصفه الله تعالى بقوله: (فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ). وكذلك فإن الصوت القوي جداً يحول الأشياء إلى ما يشبه الغثاء وهو بقايا السيل، وهذا ما وصفه القرآن بعبارة: (فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً).
من هنا نستنتج أنه لا تناقض في القرآن بل إن وجود كلمات متعددة لوصف آثار هذه الصيحة هو وصف للمراحل التي مر بها هؤلاء القوم قبل أن يموتوا. وسبحان الله! سؤال خطر ببالي: لماذا أهلك الله قوم سيدنا صالح بهذا الشكل المرعب؟
إن الحكمة –والله أعلم- أنهم لم يسمعوا نداء الحق، وأعرضوا واستحبّوا العمى على الهدى، فأنكروا تعاليم نبيهم صالح، ولم يستمعوا إلى صوت الحق، فكان عذابهم بصوت الصاعقة، يقول تعالى: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [فصلت: 17].
سوف نعيش في رحاب آية عظيمة تحوي إعجازاً مذهلاً وآيات أخرى أيضاً وصف الله لنا بدقة حقائق علمية لا يزال العلماء حتى اليوم يحتارون في تفسيرها، يقول تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) [الزمر: 68].
والسؤال: ما هي حقيقة النفخ في الصور؟ وما هو تأثير الصوت على الإنسان، وما علاقة الصاعقة بالنفخ في الصور؟ وهل تحوي هذه الآية وغيرها من الآيات حقائق علمية عن تأثير الصوت العالي على الإنسان؟ وهل وصف الله لنا بدقة ما يسميه العلماء اليوم بالأسلحة الصوتية؟ هذا ما سنتناوله في فقرات هذا البحث إن شاء الله.
ما هو الصوت؟
الصوت هو عبارة عن اهتزازات ميكانيكية تنتقل في الهواء على شكل موجات صوتية، وتؤثر على طبلة الأذن فتجعلها تهتز وتنقل هذه الذبذبات إلى الدماغ ليحللها ويصدر أوامره للجسم. ويؤثر الصوت على الإنسان بشكل كبير وبخاصة إذا كانت قوة الصوت عالية ويؤدي إلى اضطرابات فيزيولوجية ونفسية عديدة تظهر على نظام عمل الجسم.
إن المجال الصوتي الذي نسمعه يتراوح بين 20 هرتز و 20000 هرتز، والترددات التي تقل عن 20 تعتبر موجات تحت صوتية infrasound ، والترددات التي تزيد على 20000 تعتبر ترددات فوق صوتية ultrasound.
تقاس قوة الصوت بواحدة قياس تدعى الدسبيل dBفعندما تصل قوة الصوت إلى 120 ديسيبل تتعرض الأذنلآلام واضحة، وعند 140 ديسبيل تنفجر طبلة الأذن، وعند 150 ديسيبل يبدأ القفص الصدري بالاهتزاز ويتعرض الإنسان للغثيان والسعال الحاد وضيق شديد في التنفس، وعند 200 ديسيبل تنفجر الرئتين، ثم أكثر من ذلك تتأذى كل أنحاء الجسم وتنتهي باضطرابات في عمل القلب والدماغ وتكون النتيجة هي الموت.
وعندما يتعرض الإنسان لترددات صوتية عالية فوق سمعية فإن درجة حرارة جسده ترتفع ثم يبدأ بالاحتراق، بسبب موجات الضغط العالية التي تسخن الهواء من حوله. وعندما تكون الترددات عالية والصوت شديداً فإن هذا الصوت سيولد فقاعات في الجسم وجروح دقيقة ويبدأ النسيج العضلي بالتمزق ويصبح الإنسان غثاء كغثاء السيل.
والصوت يؤثر ليس على الأذن فحسب بل إنه يؤثر على العظام والجلد وتجاويف الجسم، وكذلك على النظام العصبي لدى الإنسان، ويقول العلماء إن التأثيرات الحقيقية للأصوات الشديدة لا تزال مجهولة حتى الآن.
إن سرعة الصوت عند مستوى سطح البحر هي 1223 كيلو متر في الساعة، وهذا يعني بأن الطائرة عندما تتجاوز هذه السرعة فإنها تخترق ما يسمى بجدار الصوت وتتشكل خلفها موجات اهتزازية عنيفة تسبب تكاثف جزيئات البخار وتشكيل غيمة مؤقتة.
صورة من وكالة ناسا لطائرة حربية تسير بسرعة أكبر من سرعة الصوت، أي أنها تسبق صوتها، وهذه الطائرة تضغط أمامها الهواء بشدة ونتيجة لذلك تتكاثف جزيئات بخار الماء وتشكل ما يشبه الغيمة، هذه الصورة التقطت في اللحظة التي بدأت الطائرة فيها تخترق سرعة الصوت. المصدر www.nasa.gov
إذن عندما تسير الطائرة بسرعة أعلى من سرعة الصوت فإنها تضغط الأمواج الصوتية أمامها ثم تسبقها وتخلف وراءها دوياً عالياً، وهنا يمكن أن نعتبر أن الصوت يسبب الاهتزازات العنيفة.
الأسلحة الصوتية
وهي من أغرب أنواع الأسلحة التي فكر بها العلماء حديثاً، فهناك العديد من المحاولات لاختراع سلاح يمكن أن يستعمل الصوت بدلاً من الطلقات، هذا السلاح يصدر ترددات صوتية ذات كثافة عالية مما يؤدي إلى إخافة العدو والسيطرة عليه.
ويحاول بعض الباحثين تصميم أسلحة صوتية فعالة ولكن هناك صعوبات كثيرة من الصعب التغلب عليها وهي شكل الجهاز أو الأداة التي ستبث هذه الأصوات القوية والمدمرة. ولكن كما يقول بعض الباحثين إن أفضل وسيلة هي البوق الحلزوني الذي يشبه شكل القَرْن. إذن الأسلحة الصوتية تعتبر وسيلة حديثة وفعالة ولكن لم يتم اكتشافها بشكل كامل بعد.
والعجيب عزيزي القارئ أن الله تعالى حدثنا عن مثل هذا السلاح وكيف أن الله استخدمه ليعذب به قوم ثمود، حيث أرسل لهم الله نبياً اسمه صالح وأيده بمعجزة هي الناقة التي تشرب كمية من الماء ثم تسقي كل أفراد القبيلة، فطغوا وعقروا الناقة واستهزؤوا بصالح عليه السلام ورسالته، فأرسل الله عليهم صوتاً شديداً على شكل صاعقة فأهلكهم على الفور.
الصوت والصاعقة
إن الترددات الصوتية العالية تسبب انضغاطاً عنيفاً للهواء في مناطق محددة وتمدداً مفاجئاً في مناطق أخرى، وإذا كانت الترددات عالية جداً سببت موجات ضغط متقاربة تجعل جزيئات الهواء تحتك ببعضها بعنف مما يولد كمية كبيرة من الحرارة.
ولذلك فإن ما يحدث أثناء صاعقة البرق هو العكس، حيث يتمدد الهواء فجأة بسبب الارتفاع الكبير في درجة حرارة شعاع البرق (30 ألف درجة مئوية وهذه الدرجة تساوي خمسة أضعاف حرارة سطح الشمس!) وهذا يسبب موجات ضغط تصلنا على شكل صوت للرعد.
ولذلك هناك علاقة عكسية بين الصوت والصعق أو الحرارة الزائدة المفاجئة، ومن الممتع أن نذكر بأن أحد الباحثين اليوم يحاول الاستفادة من الحرارة في توليد الكهرباء، حيث يقوم بتحويل هذه الحرارة الناتجة عن احتراق الوقود مثلاً إلى صوت ومن ثم يحول الأمواج الصوتية إلى كهرباء.
ولذلك قال تعالى: (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ) [هود: 67]. وقال أيضاً: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [فصلت: 17]. نلاحظ أن الله تعالى ذكر الصيحة مرة، والصاعقة مرة، لأن الترددات الصوتية إذا كانت قوية بما فيه الكفاية تسبب الصاعقة التي تحرق أي شيء تصادفه.
القوة التدميرية للصوت
كذلك تحدث القرآن عن القوة التدميرية للصوت، وذلك في عذاب قبيلة ثمود، قال تعالى: (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [النمل: 51-52]. إذن الصوت كان سبباً في تدمير هؤلاء الطغاة، وهذا ما يقوله العلم اليوم، حيث يؤكد الباحثون في هذا المجال أن الترددات الصوتية عند قوة معينة تكون مدمرة وتفتت أي شيء تصادفه حتى الصخور!
ولذلك قال تعالى عن عذاب ثمود: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) [القمر: 31]. وهشيم المحتظر هو المرعى اليابس والمحترق والشوك، كما في تفسير ابن كثير. وقال أيضاً: (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [المؤمنون: 41]. والغثاء كما في القاموس المحيط: هو البالي من ورق الشجر المخالط زبد السيل.
والسؤال هنا لكل من يدّعي أن القرآن من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم: كيف علم هذا النبي الأمي بأن الصوت يمكن أن يدمر أي شيء ويفتت الأشياء ويحولها إلى غثاء وإلى هشيم، وأن الصوت يمكن أن يحرق أي شيء؟ الجواب هو أن الذي علم محمداً هو الله تبارك وتعالى.
تسلسل تأثير الصوت
ومن الأشياء الرائعة في هذه المعجزة أنها تصف لنا بدقة مذهلة ما يراه هؤلاء الكفار أثناء تعذيبهم، فالأذن هي العضو الأكثر تأثراً بالترددات الصوتية القوية، ثم تتأثر الرئتين والقلب والدماغ وأخيراً تتأثر العين، ولذلك فإن المعذَّب بالصوت يرى نفسه وهو ينهار شيئاً فشيئاً، وهذا ما حدث مع قبيلة ثمود، حيث أصابتهم الصاعقة وهم ينظرون، ولذلك قال تعالى: (وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ) [ الذاريات: 43-45].
الصوت والاهتزاز
إن هذه الصاعقة ما هي إلا ترددات صوتية اهتزازية شديدة، ويقول العلماء إن الإنسان إذا تعرض لترددات صوتية عنيفة فإن جسده يبدأ بالاهتزاز والرجفان، ولذلك فقد حدثنا القرآن عن "الرجفة" التي أصابت هؤلاء القوم، قال تعالى عن عذاب ثمود: (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ) [الأعراف: 78].
تناقض أم إعجاز؟!
وهنا نلاحظ أنه لا تناقض في القرآن بل إعجاز وإحكام. فقد يدعي بعض المشككين أن القرآن يناقض بعضه بعضاً، وهذا أسلوب لجأ إليه بعض أعداء الإسلام لتشكيك المسلمين بكتاب ربهم، وهو أن يصوروا القرآن على أنه متناقض وأن فيه اختلافات كثيرة. ولكن الله تعالى أكد لنا مسبقاً أن هذا القرآن لا يحوي أي اختلاف أو تناقض: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء: 82].
فقد يقولون إن القرآن وصف عذاب قبيلة ثمود مرة بالصيحة ومرة بالرجفة ومرة بالصاعقة ومرة بالهشيم، فأين التوافق في هذه الكلمات مع أنها مختلفة من حيث المعنى؟ ونقول نعم إن الله تعالى وصف عذاب قبيلة ثمود بأوصاف مختلفة ولكن العلم الحديث كشف عن الآثار التدميرية للصوت القوي، ورتب لنا هذه النتائج والآثار بترتيب يتناسب مع الحدث كما يلي:
1- الصوت (أي الصيحة) يسبب الاهتزاز والرجفان وهذا ما عبر عنه القرآن بقوله تعالى: (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ)، وذلك لأن الصوت هو عبارة عن أمواج اهتزازية، وعندما يتعرض الإنسان لصوت قوي جداً بشدة أكثر من 200 ديسيبل يبدأ الجسم بالاهتزاز والرجفان بسبب الأمواج الاهتزازية العنيفة.
2- الصوت القوي يسبب الصعق والحرائق وهذا ما عبر عنه القرآن بكلمة (الصاعقة) يقول تعالى: (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ)، لأن الترددات العالية والشديدة تجعل الهواء يتمدد بشكل مفاجئ وينضغط بشدة، وهذا يؤدي إلى رفع درجة حرارة الهواء إلى آلاف الدرجات المئوية، فيكون الصوت مترافقاً بالحرارة العالية وهذه هي الصاعقة.
3- إن الأصوات القوية (أكثر من 200 ديسبل) تؤدي إلى تمزق الجلد وانفجار الأذن والرئتين، ثم إذا زادت شدة الصوت فإنه يمزق أنسجة الجسم ويفتتها إلى قطع صغيرة محروقة تشبه الهشيم الذي تخلفه حرائق الغابات، وهذا ما وصفه الله تعالى بقوله: (فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ). وكذلك فإن الصوت القوي جداً يحول الأشياء إلى ما يشبه الغثاء وهو بقايا السيل، وهذا ما وصفه القرآن بعبارة: (فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً).
من هنا نستنتج أنه لا تناقض في القرآن بل إن وجود كلمات متعددة لوصف آثار هذه الصيحة هو وصف للمراحل التي مر بها هؤلاء القوم قبل أن يموتوا. وسبحان الله! سؤال خطر ببالي: لماذا أهلك الله قوم سيدنا صالح بهذا الشكل المرعب؟
إن الحكمة –والله أعلم- أنهم لم يسمعوا نداء الحق، وأعرضوا واستحبّوا العمى على الهدى، فأنكروا تعاليم نبيهم صالح، ولم يستمعوا إلى صوت الحق، فكان عذابهم بصوت الصاعقة، يقول تعالى: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [فصلت: 17].
عدل سابقا من قبل زين في الإثنين مايو 12, 2008 5:48 pm عدل 4 مرات