السلام عليكم و رحمة الله و بركاته...
بسم الله الرحمن الرحيم
لا يجوز العمل بالأحاديث الضعيفة [مطلقًا] ولو في فضائل الأعمال أو الترغيب والترهيب
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،
أما بعد،
فقد اختلط الأمر على البعض في مسألة العمل بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال أو غيرها من غير العقائد والأحكام، وذلك استنادًا إلى كلام بعض السلف في تلك المسألة ممن ذهبوا إلى جواز العلم بالأحاديث الضعيفة طالما كانت في فضائل الأعمال - بشروط معينة -، مما جعلهم يتوسعون في هذه المسألة ويخالفون الشروط التي اشترطها من ذهب إلى جواز العمل بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال، وقد قمت سريعًا بالبحث هنا وهناك عن كلام العلماء في هذه المسألة وبيان الحق فيها ألا وهو عدم جواز العمل بالأحاديث الضعيفة (مطلقًا) سواء كان ذلك في فضائل الأعمال أو في غيرها، إذ الكل شرع - كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى -، فأقول وبالله التوفيق:
"إن الحديث الضعيف لم تثبت نسبته للرسول صلى الله عليه وسلّم لوجود علة في سنده أو متنه، وإن أحدنا لو نزل للسوق ورأى لحماً سميناً وضعيفاً فيأخذ السمين، ويترك الضعيف، وقد أمرنا الإسلام أن نأخذ الذبيحة السمينة في الأضحية، ونترك الضعيفة الهزيلة، فكيف يجوز الأخذ بالحديث الضعيف في الدين، ولا سيما عند وجود الحديث الصحيح ؟! ونص علماء الحديث على أن الحديث الضعيف لا يقال فيه قال رسول الله التي هي للصحيح، بل يقال ( رُوي ) بصيغة المجهول للتفريق بينهما .
ويرى بعض العلماء المتأخرين جواز الأخذ بالحديث الضعيف بشروط :
1- أن يكون في فضائل الأعمال .
2- أن يندرج تحت أصل صحيح من السنة .
3- أن لا يشتد ضعفه .
4- أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته .
والناسُ اليوم لا يتقيدون بهذه الشروط إلاَّ ما نَدَر" (1)
"كما ذهب إلى عدم جواز العمل بالحديث الضعيف أيضًا الإمامان البخاري ومسلم، وممن ذهب إليه من العلماء في هذا الزمن الشيخ المحدث أحمد شاكر والشيخ المحدث ناصر الدين الألباني، وغيرهم كثير من السلف والخلف.
وهذا القول هو الراجح من قولي أهل العلم، وهو الذي تؤيده الأدلة؛ وذلك أننا عندما نقول إن هذا الحديث ضعيف، فمعنى ذلك أننا نشكك في نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم، فكيف بعد أن شككنا في نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويغلب على ظننا أنه لم يقله نقول إننا نعمل به ؟ وفي العمل بالأحاديث الصحيحة والالتزام بها والحرص عليها خير عظيم وكفاية بالغة وغنية عن غيرها مما لم يثبت ولم يصح.
ثم إن الله جل وعلا ذم الذين يتبعون الظن فقال: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا..}، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث.." رواه البخاري ومسلم.
فإذا كان الله جل وعلا ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم يحذران من الظن ومن اتباعه فكيف بعد ذلك نتبع حديثا نظن عدم نسبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟" (2)
إذًا فنقول: "لا فرق في عدم جواز العمل بالحديث الضعيف بين أن يكون في فضائل الأعمال أو في غير فضائل الأعمال، فالأحكام التكليفية لا يشرع القول بها إلا بدليل صحيح ، والاستحباب نوع من أنواع الحكم التكليفي ، وعليه فلا يشرع استحباب شيء إلا بدليل صحيح ، ففضائل الأعمال يجب إثباتها بالدليل الصحيح لأنها داخلة في الحكم التكليفي ألا وهو الاستحباب ، والسلف الصالح ما كانوا يفرقون بين الحديث الوارد في فضائل الأعمال والحديث الوارد في بقية أمور الدين ، ويوضح هذا أنهم تكلموا في التثبت في الأسانيد والتشديد في الأخذ بها والعمل بالصحيح منها ، وما كانوا يستثنون من ذلك الحديث الوارد في فضائل الأعمال ، ولا جاء عن أحد منهم في ذلك شيء قط ، فإن قيل قد جاء عن الإمام أحمد وبعض الأئمة أنهم قالوا : (إذا روينا في الأحكام والحلال والحرام تشدَّدنا ، وإذا روينا في الفضائل والثواب والعقاب تساهلنا)
والجواب : أن المراد بهذا القول هو التساهل في الرواية وليس مشروعية العمل بذلك الضعيف في فضائل الأعمال ، قال المعلمي في الأنوار الكاشفة (87) :
(كان من الأئمة من إذا سمع الحديث لم يروه حتى يتبين له أنه صحيح أو قريب من الصحيح ، أو يوشك أن يصح إذا وجد ما يعضده ، فإذا كان دون ذلك لم يروه البتة، ومنهم إذا وجد الحديث غير شديد الضعف وليس فيه حكم ولا سنة إنما هو في فضيلة عمل متفق عليه كالمحافظة على الصلوات ونحو ذلك لم يمتنع من روايته فهذا هو المراد بالتساهل في عبارتهم) اهـ
وقد ذهب النووي إلى أن الحديث الضعيف في فضائل الأعمال يعمل به بالإجماع، وفي القول بالإجماع نظر ، قال شيخ الإسلام ابن تيميه كما في مجموع الفتاوى (1/251) :
(وذلك أن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي ، وروي في فضله حديث لا يعلم أنه كذب ، جاز أن يكون الثواب حقاً ، ولم يقل أحد من الأئمة : إنه يجوز أن يجعل الشيء واجباً أو مستحباً بحديث ضعيف ، ومن قال هذا فقد خالف الإجماع) اهـ
فقول:
شيخ الإسلام يدل على أن الإجماع على خلاف ما ادعاه النووي، والذي يظهر أن الخلاف حدث بعد العصور المتقدمة" (3)
بالإضافة إلى أن "قول أحمد وابن مهدي وابن المبارك: (إذا روينا في الحلال والحرام شددنا، وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا)، حمله بعض أهل العلم على الحديث الحسن الذي لم يصل إلى درجة الصحة، فإن التفريق بين الصحيح والحسن لم يكن في عصرهم (4)، بل كان أكثر المتقدمين لا يصف الحديث إلا بالصحة أو الضعف فقط" (5)
"وقال الشوكاني في وبل الغمام (1/54) :
(وقد سوغ بعض أهل العلم العمل بالضعيف في ذلك مطلقا ، وبعضهم منع من العمل بما لم تقم به الحجة مطلقاً ، وهو الحق ، لأن الأحكام الشرعية متساوية الأقدام ، فلا يحل أن ينسب إلى الشرع ما لم يثبت كونه شرعاً ، لأن ذلك من التقول على الله بما لم يقل ، ولو كان في فضائل الأعمال ، إذ جعل العمل منسوبا إليه نسبة المدلول إلى الدليل ، فلا ريب أن العامل به ، وإن كان لم يفعل إلا الخير من صلاة أو صيام أو ذكر ، لكنه مبتدع في ذلك الفعل من حيث اعتقاده مشروعيته بما ليس شرع ، وأجر ذلك العمل لا يوازي وزر الابتداع ، ولم يكن فعل ما لم يثبت مصلحة خالصة ، بل معه عرضة بمفسدة هي إثم البدعة ، ودفع المفاسد أهم من جلب المصالح .. ، وقيل : إن كان ذلك العمل الفاضل الذي دل عليه الحديث الضعيف داخلاً تحت عموم صحيح يدل على فضله ساغ العمل بالحديث الضعيف في ذلك ، وإلا فلا ، مثلاً : لو ورد حديث ضعيف يدل على فضيلة صلاة ركعتين في غير وقت كراهة فلا بأس بصلاة تلك الركعتين لأنه قد دل الدليل العام على فضلية الصلاة مطلقا إلا ما خص . يقال : إن كان العمل بذلك العام الصحيح فلا ثمرة للاعتداد بالخاص الذي لم يثبت إلا مجرد الوقوع في البدعة ، وإن كان العمل بالخاص عاد الكلام الأول ؛ وإن كان العمل بمجموعهما كان فعل الطاعة مشوبا ببدعة ، من حيث إثبات عبادة شرعية بدون شرع) اهـ
وقال ابن حجر في تبيين العجب (22) :
(لا فرق في العمل بالحديث في الأحكام أو الفضائل ، إذ الكل شرع) اهـ" (6)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"ولا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة ، لكن أحمد بن حنبل وغيره من العلماء جوزوا أن يروى في فضائل الأعمال ما لم يعلم أنه ثابت إذا لم يعلم أنه كذب ، وذلك أن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي وروي في فضله حديث لا يعلم أنه كذب ، جاز أن يكون الثواب حقا ، ولم يقل أحد من الأئمة إنه يجوز أن يجعل الشيء واجبا أو مستحبا بحديث ضعيف ، ومن قال هذا فقد خالف الإجماع ، وهذا كما أنه لا يجوز أن يحرم شيء إلا بدليل شرعي ، لكن إذا علم تحريمه وروي حديث في وعيد الفاعل له ولم يعلم أنه كذب ، جاز أن يرويه ، فيجوز أن يروي في الترغيب والترهيب ما لم يعلم أنه كذب ، لكن فيما علم أن الله رغب فيه أو رهب منه بدليل آخر غير هذا الحديث المجهول حاله.
وهذا كالإسرائيليات ، يجوز أن يروي منها ما لم يعلم أنه كذب للترغيب والترهيب فيما علم أن الله تعالى أمر به في شرعنا ونهى عنه في شرعنا ، فأما أن يثبت شرعا لنا بمجرد الإسرائيليات التي لم تثبت ، فهذا لا يقوله عالم ولا كان أحمد بن حنبل ولا أمثاله من الأئمة يعتمدون على مثل هذه الأحاديث في الشريعة.
ومن نقل عن أحمد أنه كان يحتج بالحديث الضعيف الذي ليس بصحيح ولا حسن فقد غلط عليه ، ولكن كان في عرف أحمد بن حنبل ومن قبله من العلماء أن الحديث ينقسم إلى نوعين : صحيح وضعيف ، والضعيف عندهم ينقسم إلى ضعيف متروك لا يحتج به ، وإلى ضعيف حسن ، كما أن ضعف الإنسان بالمرض ينقسم إلى مرض مخوف يمنع التبرع من رأس المال ، وإلى ضعيف خفيف لا يمنع من ذلك ، وأول من عرف أنه قسم الحديث ثلاثة أقسام : صحيح وحسن وضعيف ، هو أبو عيسى الترمذي في جامعه ، والحسن عنده ما تعددت طرقه ولم يكن في رواته متهم وليس بشاذ فهذا الحديث وأمثاله يسميه أحمد ضعيفا ويحتج به" اهـ (7)
وقال رحمه الله :
"فصل : قول أحمد بن حنبل : (إذا جاء الحلال والحرام شددنا في الأسانيد ، وإذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا في الأسانيد) :
وكذلك ما عليه العلماء من العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ليس معناه إثبات الاستحباب بالحديث الذي لا يحتج به ، فإن الاستحباب حكم شرعي ، فلا يثبت إلا بدليل شرعي ، ومن أخبر عن الله أنه يحب عملا من الأعمال من غير دليل شرعي فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله ، كما لو أثبت الإيجاب أو التحريم ، ولهذا يختلف العلماء في الاستحباب كما يختلفون في غيره ، بل هو أصل الدين المشروع ، وإنما مرادهم بذلك أن يكون العمل مما قد ثبت أنه مما يحبه الله أو مما يكرهه الله بنص أو إجماع ، كتلاوة القرآن والتسبيح والدعاء والصدقة والعتق والإحسان إلى الناس وكراهة الكذب والخيانة ونحو ذلك ، فإذا روى حديث في فضل بعض الأعمال المستحبة وثوابها ، وكراهة بعض الأعمال وعقابها ، فمقادير الثواب والعقاب وأنواعه إذا روى فيها حديث لا نعلم أنه موضوع جازت روايته والعمل به بمعنى أن النفس ترجو ذلك الثواب أو تخاف ذلك العقاب ، كرجل يعلم أن التجارة تربح لكن بلغه أنها تربح ربحا كثيرا ، فهذا إن صدق نفعه ، وإن كذب لم يضره ، ومثال ذلك الترغيب والترهيب بالإسرائيليات والمنامات وكلمات السلف والعلماء ووقائع العلماء ونحو ذلك مما لا يجوز بمجرده إثبات حكم شرعي لا استحباب ولا غيره ، ولكن يجوز أن يذكر في الترغيب والترهيب والترجية والتخويف ، فما علم حسنه أو قبحه بأدلة الشرع ، فإن ذلك ينفع ولا يضر ، وسواء كان في نفس الأمر حقا أو باطلا ، فما علم أنه باطل موضوع لم يجز الالتفات إليه ، فإن الكذب لا يفيد شيئا ، وإذا ثبت أنه صحيح أثبتت به الأحكام ، وإذا احتمل الأمرين روي لإمكان صدقه ولعدم المضرة في كذبه.
وأحمد إنما قال إذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا في الأسانيد ، ومعناه أنا نروى في ذلك بالأسانيد وإن لم يكن محدثوها من الثقات الذين يحتج بهم ، وكذلك قول من قال يعمل بها في فضائل الأعمال ، إنما العمل بها العمل بما فيها من الأعمال الصالحة ، مثل التلاوة والذكر والاجتناب لما كره فيها من الأعمال السيئة ، ونظير هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو : ((بلغوا عنى ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب عليَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)) مع قوله في الحديث الصحيح : ((إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم)) فإنه رخص في الحديث عنهم ، ومع هذا نهى عن تصديقهم وتكذيبهم ، فلو لم يكن في التحديث المطلق عنهم فائدة لما رخص فيه وأمر به ، ولو جاز تصديقهم بمجرد الأخبار لما نهى عن تصديقهم ، فالنفوس تنتفع بما تظن صدقه في مواضع ، فإذا تضمنت أحاديث الفضائل الضعيفة تقديرا وتحديدا مثل صلاة في وقت معين بقراءة معينة أو على صفة معينة ، لم يجز ذلك ، لأن استحباب هذا الوصف المعين لم يثبت بدليل شرعي ، بخلاف ما لو روي فيه : ((من دخل السوق فقال لا إله إلا الله كان له كذا وكذا)) ، فإن ذكر الله في السوق مستحب لما فيه من ذكر الله بين الغافلين ، كما جاء في الحديث المعروف : ((ذاكر الله في الغافلين كالشجرة الخضراء بين الشجر اليابس)) فأما تقدير الثواب المروي فيه فلا يضر ثبوته ولا عدم ثبوته ، وفى مثله جاء الحديث رواه الترمذي : ((من بلغه عن الله شيء فيه فضل فعمل به جاء ذلك الفضل أعطاه الله ذلك وإن لم يكن ذلك كذلك)) ، فالحاصل أن هذا الباب يروى ويعمل به في الترغيب والترهيب ، لا في الاستحباب ، ثم اعتقاد موجبه وهو مقادير الثواب والعقاب يتوقف على الدليل الشرعي" (8)
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،
أما بعد،
فقد اختلط الأمر على البعض في مسألة العمل بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال أو غيرها من غير العقائد والأحكام، وذلك استنادًا إلى كلام بعض السلف في تلك المسألة ممن ذهبوا إلى جواز العلم بالأحاديث الضعيفة طالما كانت في فضائل الأعمال - بشروط معينة -، مما جعلهم يتوسعون في هذه المسألة ويخالفون الشروط التي اشترطها من ذهب إلى جواز العمل بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال، وقد قمت سريعًا بالبحث هنا وهناك عن كلام العلماء في هذه المسألة وبيان الحق فيها ألا وهو عدم جواز العمل بالأحاديث الضعيفة (مطلقًا) سواء كان ذلك في فضائل الأعمال أو في غيرها، إذ الكل شرع - كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى -، فأقول وبالله التوفيق:
"إن الحديث الضعيف لم تثبت نسبته للرسول صلى الله عليه وسلّم لوجود علة في سنده أو متنه، وإن أحدنا لو نزل للسوق ورأى لحماً سميناً وضعيفاً فيأخذ السمين، ويترك الضعيف، وقد أمرنا الإسلام أن نأخذ الذبيحة السمينة في الأضحية، ونترك الضعيفة الهزيلة، فكيف يجوز الأخذ بالحديث الضعيف في الدين، ولا سيما عند وجود الحديث الصحيح ؟! ونص علماء الحديث على أن الحديث الضعيف لا يقال فيه قال رسول الله التي هي للصحيح، بل يقال ( رُوي ) بصيغة المجهول للتفريق بينهما .
ويرى بعض العلماء المتأخرين جواز الأخذ بالحديث الضعيف بشروط :
1- أن يكون في فضائل الأعمال .
2- أن يندرج تحت أصل صحيح من السنة .
3- أن لا يشتد ضعفه .
4- أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته .
والناسُ اليوم لا يتقيدون بهذه الشروط إلاَّ ما نَدَر" (1)
"كما ذهب إلى عدم جواز العمل بالحديث الضعيف أيضًا الإمامان البخاري ومسلم، وممن ذهب إليه من العلماء في هذا الزمن الشيخ المحدث أحمد شاكر والشيخ المحدث ناصر الدين الألباني، وغيرهم كثير من السلف والخلف.
وهذا القول هو الراجح من قولي أهل العلم، وهو الذي تؤيده الأدلة؛ وذلك أننا عندما نقول إن هذا الحديث ضعيف، فمعنى ذلك أننا نشكك في نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم، فكيف بعد أن شككنا في نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويغلب على ظننا أنه لم يقله نقول إننا نعمل به ؟ وفي العمل بالأحاديث الصحيحة والالتزام بها والحرص عليها خير عظيم وكفاية بالغة وغنية عن غيرها مما لم يثبت ولم يصح.
ثم إن الله جل وعلا ذم الذين يتبعون الظن فقال: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا..}، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث.." رواه البخاري ومسلم.
فإذا كان الله جل وعلا ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم يحذران من الظن ومن اتباعه فكيف بعد ذلك نتبع حديثا نظن عدم نسبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟" (2)
إذًا فنقول: "لا فرق في عدم جواز العمل بالحديث الضعيف بين أن يكون في فضائل الأعمال أو في غير فضائل الأعمال، فالأحكام التكليفية لا يشرع القول بها إلا بدليل صحيح ، والاستحباب نوع من أنواع الحكم التكليفي ، وعليه فلا يشرع استحباب شيء إلا بدليل صحيح ، ففضائل الأعمال يجب إثباتها بالدليل الصحيح لأنها داخلة في الحكم التكليفي ألا وهو الاستحباب ، والسلف الصالح ما كانوا يفرقون بين الحديث الوارد في فضائل الأعمال والحديث الوارد في بقية أمور الدين ، ويوضح هذا أنهم تكلموا في التثبت في الأسانيد والتشديد في الأخذ بها والعمل بالصحيح منها ، وما كانوا يستثنون من ذلك الحديث الوارد في فضائل الأعمال ، ولا جاء عن أحد منهم في ذلك شيء قط ، فإن قيل قد جاء عن الإمام أحمد وبعض الأئمة أنهم قالوا : (إذا روينا في الأحكام والحلال والحرام تشدَّدنا ، وإذا روينا في الفضائل والثواب والعقاب تساهلنا)
والجواب : أن المراد بهذا القول هو التساهل في الرواية وليس مشروعية العمل بذلك الضعيف في فضائل الأعمال ، قال المعلمي في الأنوار الكاشفة (87) :
(كان من الأئمة من إذا سمع الحديث لم يروه حتى يتبين له أنه صحيح أو قريب من الصحيح ، أو يوشك أن يصح إذا وجد ما يعضده ، فإذا كان دون ذلك لم يروه البتة، ومنهم إذا وجد الحديث غير شديد الضعف وليس فيه حكم ولا سنة إنما هو في فضيلة عمل متفق عليه كالمحافظة على الصلوات ونحو ذلك لم يمتنع من روايته فهذا هو المراد بالتساهل في عبارتهم) اهـ
وقد ذهب النووي إلى أن الحديث الضعيف في فضائل الأعمال يعمل به بالإجماع، وفي القول بالإجماع نظر ، قال شيخ الإسلام ابن تيميه كما في مجموع الفتاوى (1/251) :
(وذلك أن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي ، وروي في فضله حديث لا يعلم أنه كذب ، جاز أن يكون الثواب حقاً ، ولم يقل أحد من الأئمة : إنه يجوز أن يجعل الشيء واجباً أو مستحباً بحديث ضعيف ، ومن قال هذا فقد خالف الإجماع) اهـ
فقول:
شيخ الإسلام يدل على أن الإجماع على خلاف ما ادعاه النووي، والذي يظهر أن الخلاف حدث بعد العصور المتقدمة" (3)
بالإضافة إلى أن "قول أحمد وابن مهدي وابن المبارك: (إذا روينا في الحلال والحرام شددنا، وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا)، حمله بعض أهل العلم على الحديث الحسن الذي لم يصل إلى درجة الصحة، فإن التفريق بين الصحيح والحسن لم يكن في عصرهم (4)، بل كان أكثر المتقدمين لا يصف الحديث إلا بالصحة أو الضعف فقط" (5)
"وقال الشوكاني في وبل الغمام (1/54) :
(وقد سوغ بعض أهل العلم العمل بالضعيف في ذلك مطلقا ، وبعضهم منع من العمل بما لم تقم به الحجة مطلقاً ، وهو الحق ، لأن الأحكام الشرعية متساوية الأقدام ، فلا يحل أن ينسب إلى الشرع ما لم يثبت كونه شرعاً ، لأن ذلك من التقول على الله بما لم يقل ، ولو كان في فضائل الأعمال ، إذ جعل العمل منسوبا إليه نسبة المدلول إلى الدليل ، فلا ريب أن العامل به ، وإن كان لم يفعل إلا الخير من صلاة أو صيام أو ذكر ، لكنه مبتدع في ذلك الفعل من حيث اعتقاده مشروعيته بما ليس شرع ، وأجر ذلك العمل لا يوازي وزر الابتداع ، ولم يكن فعل ما لم يثبت مصلحة خالصة ، بل معه عرضة بمفسدة هي إثم البدعة ، ودفع المفاسد أهم من جلب المصالح .. ، وقيل : إن كان ذلك العمل الفاضل الذي دل عليه الحديث الضعيف داخلاً تحت عموم صحيح يدل على فضله ساغ العمل بالحديث الضعيف في ذلك ، وإلا فلا ، مثلاً : لو ورد حديث ضعيف يدل على فضيلة صلاة ركعتين في غير وقت كراهة فلا بأس بصلاة تلك الركعتين لأنه قد دل الدليل العام على فضلية الصلاة مطلقا إلا ما خص . يقال : إن كان العمل بذلك العام الصحيح فلا ثمرة للاعتداد بالخاص الذي لم يثبت إلا مجرد الوقوع في البدعة ، وإن كان العمل بالخاص عاد الكلام الأول ؛ وإن كان العمل بمجموعهما كان فعل الطاعة مشوبا ببدعة ، من حيث إثبات عبادة شرعية بدون شرع) اهـ
وقال ابن حجر في تبيين العجب (22) :
(لا فرق في العمل بالحديث في الأحكام أو الفضائل ، إذ الكل شرع) اهـ" (6)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"ولا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة ، لكن أحمد بن حنبل وغيره من العلماء جوزوا أن يروى في فضائل الأعمال ما لم يعلم أنه ثابت إذا لم يعلم أنه كذب ، وذلك أن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي وروي في فضله حديث لا يعلم أنه كذب ، جاز أن يكون الثواب حقا ، ولم يقل أحد من الأئمة إنه يجوز أن يجعل الشيء واجبا أو مستحبا بحديث ضعيف ، ومن قال هذا فقد خالف الإجماع ، وهذا كما أنه لا يجوز أن يحرم شيء إلا بدليل شرعي ، لكن إذا علم تحريمه وروي حديث في وعيد الفاعل له ولم يعلم أنه كذب ، جاز أن يرويه ، فيجوز أن يروي في الترغيب والترهيب ما لم يعلم أنه كذب ، لكن فيما علم أن الله رغب فيه أو رهب منه بدليل آخر غير هذا الحديث المجهول حاله.
وهذا كالإسرائيليات ، يجوز أن يروي منها ما لم يعلم أنه كذب للترغيب والترهيب فيما علم أن الله تعالى أمر به في شرعنا ونهى عنه في شرعنا ، فأما أن يثبت شرعا لنا بمجرد الإسرائيليات التي لم تثبت ، فهذا لا يقوله عالم ولا كان أحمد بن حنبل ولا أمثاله من الأئمة يعتمدون على مثل هذه الأحاديث في الشريعة.
ومن نقل عن أحمد أنه كان يحتج بالحديث الضعيف الذي ليس بصحيح ولا حسن فقد غلط عليه ، ولكن كان في عرف أحمد بن حنبل ومن قبله من العلماء أن الحديث ينقسم إلى نوعين : صحيح وضعيف ، والضعيف عندهم ينقسم إلى ضعيف متروك لا يحتج به ، وإلى ضعيف حسن ، كما أن ضعف الإنسان بالمرض ينقسم إلى مرض مخوف يمنع التبرع من رأس المال ، وإلى ضعيف خفيف لا يمنع من ذلك ، وأول من عرف أنه قسم الحديث ثلاثة أقسام : صحيح وحسن وضعيف ، هو أبو عيسى الترمذي في جامعه ، والحسن عنده ما تعددت طرقه ولم يكن في رواته متهم وليس بشاذ فهذا الحديث وأمثاله يسميه أحمد ضعيفا ويحتج به" اهـ (7)
وقال رحمه الله :
"فصل : قول أحمد بن حنبل : (إذا جاء الحلال والحرام شددنا في الأسانيد ، وإذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا في الأسانيد) :
وكذلك ما عليه العلماء من العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ليس معناه إثبات الاستحباب بالحديث الذي لا يحتج به ، فإن الاستحباب حكم شرعي ، فلا يثبت إلا بدليل شرعي ، ومن أخبر عن الله أنه يحب عملا من الأعمال من غير دليل شرعي فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله ، كما لو أثبت الإيجاب أو التحريم ، ولهذا يختلف العلماء في الاستحباب كما يختلفون في غيره ، بل هو أصل الدين المشروع ، وإنما مرادهم بذلك أن يكون العمل مما قد ثبت أنه مما يحبه الله أو مما يكرهه الله بنص أو إجماع ، كتلاوة القرآن والتسبيح والدعاء والصدقة والعتق والإحسان إلى الناس وكراهة الكذب والخيانة ونحو ذلك ، فإذا روى حديث في فضل بعض الأعمال المستحبة وثوابها ، وكراهة بعض الأعمال وعقابها ، فمقادير الثواب والعقاب وأنواعه إذا روى فيها حديث لا نعلم أنه موضوع جازت روايته والعمل به بمعنى أن النفس ترجو ذلك الثواب أو تخاف ذلك العقاب ، كرجل يعلم أن التجارة تربح لكن بلغه أنها تربح ربحا كثيرا ، فهذا إن صدق نفعه ، وإن كذب لم يضره ، ومثال ذلك الترغيب والترهيب بالإسرائيليات والمنامات وكلمات السلف والعلماء ووقائع العلماء ونحو ذلك مما لا يجوز بمجرده إثبات حكم شرعي لا استحباب ولا غيره ، ولكن يجوز أن يذكر في الترغيب والترهيب والترجية والتخويف ، فما علم حسنه أو قبحه بأدلة الشرع ، فإن ذلك ينفع ولا يضر ، وسواء كان في نفس الأمر حقا أو باطلا ، فما علم أنه باطل موضوع لم يجز الالتفات إليه ، فإن الكذب لا يفيد شيئا ، وإذا ثبت أنه صحيح أثبتت به الأحكام ، وإذا احتمل الأمرين روي لإمكان صدقه ولعدم المضرة في كذبه.
وأحمد إنما قال إذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا في الأسانيد ، ومعناه أنا نروى في ذلك بالأسانيد وإن لم يكن محدثوها من الثقات الذين يحتج بهم ، وكذلك قول من قال يعمل بها في فضائل الأعمال ، إنما العمل بها العمل بما فيها من الأعمال الصالحة ، مثل التلاوة والذكر والاجتناب لما كره فيها من الأعمال السيئة ، ونظير هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو : ((بلغوا عنى ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب عليَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)) مع قوله في الحديث الصحيح : ((إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم)) فإنه رخص في الحديث عنهم ، ومع هذا نهى عن تصديقهم وتكذيبهم ، فلو لم يكن في التحديث المطلق عنهم فائدة لما رخص فيه وأمر به ، ولو جاز تصديقهم بمجرد الأخبار لما نهى عن تصديقهم ، فالنفوس تنتفع بما تظن صدقه في مواضع ، فإذا تضمنت أحاديث الفضائل الضعيفة تقديرا وتحديدا مثل صلاة في وقت معين بقراءة معينة أو على صفة معينة ، لم يجز ذلك ، لأن استحباب هذا الوصف المعين لم يثبت بدليل شرعي ، بخلاف ما لو روي فيه : ((من دخل السوق فقال لا إله إلا الله كان له كذا وكذا)) ، فإن ذكر الله في السوق مستحب لما فيه من ذكر الله بين الغافلين ، كما جاء في الحديث المعروف : ((ذاكر الله في الغافلين كالشجرة الخضراء بين الشجر اليابس)) فأما تقدير الثواب المروي فيه فلا يضر ثبوته ولا عدم ثبوته ، وفى مثله جاء الحديث رواه الترمذي : ((من بلغه عن الله شيء فيه فضل فعمل به جاء ذلك الفضل أعطاه الله ذلك وإن لم يكن ذلك كذلك)) ، فالحاصل أن هذا الباب يروى ويعمل به في الترغيب والترهيب ، لا في الاستحباب ، ثم اعتقاد موجبه وهو مقادير الثواب والعقاب يتوقف على الدليل الشرعي" (8)